أشخاص غير قادرين على الاحتفاظ بالأسرار

مجد جابر

عمان- تعترف الثلاثينية سرى، بأنها لم تستطع التخلص من العادة السيئة لديها في إفشاء الأسرار وعدم القدرة على الاحتفاظ بها على الإطلاق، فعند تعرضها لأي موقف تكتشف أنها غير قادرة على فعل ذلك، وأنها لا تستطيع ضبط لسانها، بمجرد جلوسها مع أي شخص وسؤالها عن الأخبار، حتى تبدأ بالبوح بكل شيء تعرفه.اضافة اعلان
تشعر سرى بتأنيب الضمير بعد أن تبوح بكل ما لديها من أخبار أو معلومات تخص الآخرين، وكأنها غائبة عن الوعي، وتبدأ بلوم نفسها ومعاتبتها، وينتهي بها المطاف بالتعهد لنفسها بأن تكون هذه المرة الأخيرة التي تفصح بها عن أسرار الآخرين، وبهذه الطريقة تخفف عن نفسها، إلا أنها لا تلبث وأن تكون في موقف مشابه حتى تعيد الكرة من جديد.
وتقول “صراحة، لا أعرف ما الطريقة التي يمكنني اتباعها للتخلص من هذه العادة السيئة، التي نجم عنها خسارتي للعديد من الأصدقاء، إلى جانب المواقف الحرجة التي تعرضت لها في العمل وتسببت بوقوع العديد من المشاكل بين الزملاء، رغم أني لا أقوم بذلك بنية التخريب أو إحداث المشاكل، فقط أنني لا أشعر بما أقول عندما أتحدث بخصوصيات الآخرين”.
سرى ليست الوحيدة التي تعاني من هذه العادة السيئة، والتي ينجم عنها العديد من المشاحنات والخصام بين الأشخاص في المجتمع، سواء بين الزملاء في العمل أو الأقارب أو الجيران وغيرها.
هند صديقة لإحدى هذه الشخصيات، والتي تصفها بأنها لا تستطيع التحكم بنفسها على الإطلاق لدرجة أنها باتت تؤذي نفسها بذلك، فهي لا تستطيع إخفاء أسرارها الشخصية أيضا، وتقوم بالبوح أمام أي شخص سواء كان أهلا للثقة أم لا.
وتوضح هند، أنها في البداية كانت تعتقد أن صديقتها فتاة تحب نقل الكلام وعمل المشاكل بين الأشخاص سواء كانوا زملاءها في العمل أم أقاربها، وهذا الأمر دفعها لتجنبها والابتعاد عنها.
إلا أن المفاجأة بالنسبة لهند كانت عندما اكتشفت أن صديقتها تقوم بإفشاء أسرارها وخصوصياتها، ولا تستطيع كتمانها، بل تبوح بكل شيء يخصها، حتى أدق التفاصيل التي قد تؤذيها، وقد وقع ذلك بالفعل، وفق هند.
وتشير إلى أن ذلك جعلها تشعر بالشفقة والحزن عليها، لأنها ربما تعاني من مرض معين، وغير قادرة على التحكم بنفسها على الإطلاق، مبينةً أن هذا السلوك سلبي للغاية، وتتوقع بأنه يدمر حياتها عاجلاً أم آجلاً.
طارق هو الآخر عانى من هذا السلوك السلبي، ولمدة زمنية لا بأس بها، حتى أيقن بأنها تسبب له العديد من المشاكل والخسائر في شؤون حياته، وخصوصا الأمور العائلية، حتى أنه خسر أعز أصدقائه الذي كان ملجأه الوحيد عندما يقع في أي مشكلة.
جراء ذلك، قرر طارق اتخاذ قرار حاسم باللجوء إلى معالج نفسي ساعده كثيرا على التخلص من هذه الخصلة، بالوقوف على الأسباب التي تدفعه لذلك، حتى استطاع التخلص منها تماما، وإعادة التوازن إلى حياته من جديد، وفق قوله.
ويلفت، الى أنه وبالرغم من أن القرار جاء في وقت متأخر، خصوصا أنه خسر الكثير، إلا أنه في النهاية استطاع السيطرة على نفسه، وهو قادر الآن على الاحتفاظ بأسراره وخصوصيات غيره بشكل طبيعي جداً.
وحول ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي، الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الإنسان بالفطرة هو إنسان طبيعي يتكلم بدون أن يدرك حجم الضرر الواقع، أما بالنسبة للشخص غير القادر على كتم السر مطلقاً، فهو يتحدث بطريقة عادية وطبيعية ويسترسل فيها، كونه إنسانا لا يميز، ولا يستطيع تصنيف الأخبار ما يجب أن يحتفظ به، وما يجب البوح به.
ويشير إلى أن هؤلاء الأشخاص بسطاء غالباً، وغير خبيثين، ما يزالون في مرحلة التكوين ليس لديهم القدرة على التصنيف، أو تقدير المخاطر، مثل الأطفال تماماً، ليس لديهم القدرة على الإدراك مطلقاً، مبيناً أنهم أشخاص ليس لديهم ضوابط ذاتية، وعليه يجب التعامل معهم بحذر شديد، وإدراك أنهم أشخاص لا يمكنهم الاحتفاظ بشيء لأنفسهم.
ويضيف “هؤلاء الأشخاص ملامحهم واضحة جداً، كونهم يتحدثون عن أنفسهم بأشياء لا يمكن البوح بها لأحد، وبهذه الطريقة يستطيع الشخص بسهولة تمييزهم”، مبيناً أنهم أشخاص عاشوا في حالة حماية زائدة، ليس لديهم تجارب أو خبرات في الحياة أو مبادئ واضحة، وهم مضطربون ولديهم تدن في مفهوم الذات، ويعبرون عن الأشياء بسذاجة.
ويرى أنهم إلى جانب ذلك لا يملكون قدرات وإمكانيات شخصية طبيعية قادرة على التوازن والتحليل، وليس لديهم أي نوع من الضوابط على الإطلاق، فأي شخص منهم لا يحسب البعد الذي يحسبه الشخص الطبيعي المتوازن.
ويعتبر مطارنة أن هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى تدريب ذاتي على تنمية الذات، وبنائها حتى يستطيعوا التوازن، وفهم متطلبات الحياة بشكل صحيح.