أشخاص يبحثون عن مساحة للبوح عبر منصات إلكترونية للعلاج النفسي

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- البحث عن مساحة من الخصوصية والرغبة في كسر حاجز الخوف والبوح بحرية عن المكنونات، مطلب يبحث عنه الكثيرون ويدفعهم لإيجاد فسحة للتعبير، بعيدا عن أروقة عيادات الأطباء النفسيين باهظة الثمن والانتظار خجلا في قاعاتها.اضافة اعلان
عبر شاشة حاسوبها الشخصي، جلست ميسون محمد تبحث عن موقع عبر الإنترنت للعلاج النفسي، لعلها تجد حلا لمشاكلها وضيقة الصدر التي تعاني منها ولم تجرؤ على البوح بها لأحد حتى أقرب الناس لها.
كانت المرة الأولى لميسون حين أغلقت باب غرفتها متحججة بدراستها، بدأت حينها تسجل دخولها لموقع العلاج النفسي المجاني، أخذت حينها موعدا من طبيب نفسي تبث له مشاكلها وتروي له كل ما يضايقها.
تقول "شعرت براحة كبيرة بعد الجلسة الأولى واعتقدت أن هذا أفضل حل لمشاكلي"، بدون أن تضطر للخروج من منزلها أو حتى تتعرض لوابل الأسئلة ممن حولها.
وتقوم منصة "علاج نفسي" التي تستخدمها ميسون في علاجها على تقديم الدعم لمرضى الاكتئاب، الى جانب متابعة ضحايا الحروب والتعذيب في المنطقة العربية على وجه الخصوص.
العديد من مواقع الدعم والعلاج النفسي العربية والعالمية ظهرت في السنوات الأخيرة عبر الإنترنت، يقدم من خلالها مجموعة من الأطباء والخبراء النفسيين خبراتهم عبر التواصل مع الأشخاص الذين يقومون بالتسجيل في الموقع في التخصصات كافة عبر الاتصال بالصوت، أو عبر الكاميرا أو من خلال الكتابة وفق رغبة المريض.
وفاة زوج ريهام علي بعد سنة من زواجهما شكل بالنسبة لها صدمة كبيرة أدخلها في حالة من الاكتئاب الشديد الذي انقطعت خلاله عن أسرتها وأصدقائها وكل الأشخاص المقربين لها.
عزلة ووحدة وألم تعتصر قلبها، هكذا وصفت ريهام حالها، فلم تعد قادرة على البكاء أو حتى مشاركة من حولها بما تشعر به، فلم تجد أمامها سوى تلك المواقع الإلكترونية المتخصصة في العلاج النفسي تجد من خلالها منفذا لحالتها وشخصا يسمعها بدون أن يلومها.
علاج "أون لاين"، كان الخيار الأول لريهام، وعبر اتصال حصلت على استشارة من خلال الجلسة العلاجية الأولى التي شعرت بعدها بتحسن كبير وبرغبة كبيرة في الحديث.
وتقول "الأمر لا يقتصر على صعوبة البوح بزيارة طبيب نفسي فحسب، إنما هي مشكلة مجتمع يرفض تقبل الفكرة، ويعتبر زيارته مصيبة، ناهيك عن ارتفاع سعر الجلسة الواحدة الذي قد يصل عند بعض الأطباء إلى 70 دينارا".
فضيلة خالد إحدى الناجيات السوريات، وجدت من مواقع العلاج النفسي منصة تحصل من خلالها على الدعم النفسي والعلاج؛ إذ وصفتها بالرائعة، خصوصا تلك التي تستهدف الناجين من الحروب والدمار ومناطق النزاع.
بعد الحرب والدمار الكبير والاستيقاظ على صوت القنابل والانفجارات وخسارة معظم أفراد عائلتها، باتت حاجة فضيلة وأخيها الناجيين الوحيدين من العائلة للعلاج النفسي ملحة، ليتمكنا من الاستمرار في حياتهما.
تقول "كان الطبيب مستمعا جيدا واحترم رفضي لمكالمة سكايب والاكتفاء بمكالمة صوتية"، معتقدة أنها طريقة ناجعة لا تتطلب منها سوى أن تكون في منطقة مخدومة بالإنترنت.
بيد أن خوف مراد طريفي أن يحتوي سجله الطبي على سيرة نفسية مضطربة، تتسبب في حرمانه من الحصول على وظيفة أو ربما تكون سببا في رفض العديد من الفتيات القبول من الزواج به، هو ما دفعه للجوء إلى منصات العلاج النفسي التي وجد إعلانها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
هذه المنصات مكنته من الحصول على فرصة العلاج النفسي بدون تكلفة أو حتى دفع مبالغ كبيرة للحصول على الجلسات العلاجية، واجدا هذه المنصات فسحة أمل لمن لا يجرؤ على طرق أبواب عيادات أطباء نفسيين.
ومن جهتها، أشارت اختصاصية علم النفس الدكتورة مرام بني مصطفى، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي والإلكترونية أصبحت تتصدر أولويات واهتمامات الناس، فأصبحت مصدرا للمعلومات والأخبار في العديد من المجالات الطبية والنفسية.
وقد يكون الفرد في مكان ما ويرغب بالفضفضة ولا تكون الفرصة متاحة له ليجد شخصا متخصصا، يستمع إليه ويشعر معه بالارتياح التام، يقوم بالتواصل معه عبر المنصات التي تخدم العلاج النفسي.
الخطورة في هذه المواقع، وفق بني مصطفى، تكمن في صعوبة التأكد من مدى السرية والخصوصية، لا سيما مع استخدام الصوت والصورة ومعرفة كل التفاصيل، وربما غياب دقة التشخيص، لأن الأعراض في بعض الأمراض تكون متتابعة ومختلفة من شخص إلى آخر.
العلاج النفسي عبر الإنترنت له إيجابياته وسلبياته، بحسب بني مصطفى، ناصحة بضرورة الذهاب للمعالج النفسي بشكل مباشر لأن هناك بعض التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن للفرد أن يسردها من خلال المواقع، كذلك يتوفر عنصر مهم في العلاقة الإرشادية بين المعالج النفسي والفرد وهي لغة الجسد.
الأصل عند اللجوء إلى هذه المواقع التأكد من الأشخاص القائمين عليها، وفق أخصائي الإرشاد التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة، لافتا إلى أن هذه المواقع يمكن أن تكون ناجحة في الأمور الإرشادية.
ويؤكد أن العلاج يتطلب زيارة المختص لأن هناك تفاصيل كثيرة تتطلب مقابلة شخصية تعتمد على التواصل البصري بين المعالج والشخص الآخر لبناء الثقة والطمأنينة لبناء التكتيك للعلاج.
ويتساءل: كيف يمكن لأي مريض أن يثق بالمعالج وهو لا يعرفه ولا يمكن أن يوثق حقيقة عمله، والأصل أن لا يسلم نفسه أو أن يبوح بأسراره ومشاكله بدون أن يكون متأكدا مع من يتحدث.
ويعزو مطارنة لجوء الكثيرين للمواقع النفسية لثقافة الناس التي تعتقد أن من يزور الطبيب النفسي هو إنسان "مجنون"، ولا نعترف أن المشكلة النفسية هي أمر طبيعي يصيب كل الناس، فضلا عن الجانب الاقتصادي والمادي؛ فزيارة الطبيب النفسي مرتفعة الثمن.
العلاج النفسي عبر شبكة الإنترنت، يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً في المريض أكثر من العلاج المباشر بين المريض والمعالج النفسي، هذا ما أظهرته دراسة علمية حديثة مؤخرا.
وأرجعت الدراسة التي نشرت في دورية "The Lancet" الطبية هذه النتيجة، إلى الحرية التي يتمتع بها المريض في الحديث عما يدور في صدره، بشكل أكبر من تلك التي يملكها إذا ما واجه الطبيب وجهاً لوجه.
وبينت الدراسة أن العلاج النفسي عبر الإنترنت، يوصل المرضى إلى نتائج أفضل من تلك التي ينتجها العلاج التقليدي، ويقول الخبراء إن الإنترنت يمكن أن يلعب دورا مهما في علاج المرضى النفسيين، خصوصاً لدى أولئك الذين لا يتمكنون من الذهاب للطبيب.
ويقدر مدير المركز الوطني للأمراض النفسية في الأردن، نائل العدوان، في تصريحات سابقة، عدد الأطباء النفسيين في الأردن، بنحو 110 أطباء، 75 منهم في القطاع الخاص، والباقي يعملون تحت مظلة وزارة الصحة الأردنية، ما يجعل الأردن، أقل البلدان مقارنة بالبلاد المجاورة، في عددهم.
ومن جانبها، تكشف بيانات منظمة الصحة العالمية، أن ما نسبته
0.5 % من مجموع الأطباء النفسيين في المملكة، مؤهلون لعلاج 100 ألف من مجموع السكان.
وكشفت منظمة الصحة العالمية أن قدرة المملكة على تأمين العلاج، لا تتجاوز نسبة 2 % فقط، من مجمل نفقات العلاج الصحية؛ حيث استقبل مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية، والتابع لوزارة الصحة الأردنية، أكثر من 9 آلاف مراجع ومراجعة للعيادات الخارجية، خلال العام 2016، وفق ما أكده العدوان في تصريحاته.
وما تزال نظرة الناس، وبالرغم من ارتفاع نسبة التعليم، غير علمية أو منصفة نحو العيادات النفسية، وفق أخصائي علم الاجتماع في جامعة الحسين الدكتور حسين محادين، لافتا إلى أن مستوى الوعي لدى المعظم بأن جميع الأمراض عضوية فقط.
ومن جهة أخرى، يرى محادين أن الجوانب النفسية لا تعار كل الاهتمام المفترض من حيث الوعي والتعامل الطبي الصحيح معها، فالإنسان مكون من الجوانب النفسية والظاهر الجسدي، لذا يتجنب أفراد المجتمع القيام بزيارة طبيب نفسي.
"الدراما التلفزيونية أسهمت برسم توقعات الرأي العام الهش وبصورة مغلوطة عن الطبيب النفسي والعيادة النفسية"، يقول محادين، مضيفا "أن اعتماد التقارير من قبل القضاء وخطورتها كعامل ثابت يدفع الناس للإحجام عن العيادات النفسية عندما يرتبط بقضايا الحجر والإرث والجرائم". ويقول "ما نزال نواجه بثقافتنا تحديات كيف نعدل اتجاهات الأفراد نحو ذهابهم إلى العيادات النفسية وإزالة النمط الظالم الذي لحق بالتصور الشعبي للعيادة"، فحالات الاغتراب التي يعيشها أبناء المجتمع عن دائرتهم الخاصة (الأسرة) وتدني الثقة بين الأفراد والأصدقاء قد أسهما في جعل الأفراد يبحثون عمن ينصت إليهم أو يحاورهم.
وتمثل هذه المنصات، وفق محادين، منفذا للإفصاح عن مكنوناتهم التي لا يجرؤون على الحديث عنها أمام الآخرين، وبالتالي ازداد الدخول إلى هذه المنصات.
ويجد محادين أن مثل هذه الوسائل عمقت القيم الفردية لدى الأفراد وأضعفت الروابط الاجتماعية، وأصبحت تمنح الأفراد حرية إقامة العلاقات العابرة للجغرافيا واللغات وصولا إلى الجوهر الإنساني بمعناه الشمولي النفسي من مختلف الجوانب.