أشخاص يتعمدون استفزاز الآخر

يحاول البعض استفزازهم واستدراجهم لمعارك كلامية لتصفية حسابات أو حرق أعصابهم-(أرشيفية)
يحاول البعض استفزازهم واستدراجهم لمعارك كلامية لتصفية حسابات أو حرق أعصابهم-(أرشيفية)

ربى الرياحي

عمان- كثيرة هي المواقف والأحداث التي قد نواجه فيها أشخاصا يتعمدون حرق أعصابنا محاولين استفزازنا واستدراجنا إلى معارك كلامية تهدف أحيانا إلى كسب موقف معين أو لتصفية حسابات شخصية أو ربما ليجبرونا على أن نخرج أسوأ ما لدينا، قاصدين من ذلك حتما تشويه صورتنا في أعين من حولنا وبالتالي تغيير كل ما بنوه من انطباعات عنا غير مكترثين بحجم المؤامرة التي نتعرض لها والتي قد تخسرنا الكثير. فنحن عندما نُستفَز تتسارع ردود أفعالنا لدرجة أننا نفقد السيطرة على أنفسنا، الأمر الذي يجعلنا نتحول في غمضة عين من ضحايا إلى جناة مرغمين على دفع ثمن أفعالهم التي لم تكن في الحسبان وننسى تماما أن الاستسلام لكلمات وتصرفات المستفز ستقودنا في النهاية إلى تجاوز جميع الحدود التي من شأنها أن تخلق بيننا وبين الآخر نقطة فاصلة نستطيع من خلالها المحافظة على الاتزان الذي يدفعنا جميعا إلى التصرف باحترام ولباقة سامحين للمستفز أن يشعر مؤقتا بلذة الانتصار قبل أن نحرجه بردود أفعالنا الواعية المدروسة البعيدة تماما عن التصنع والزيف، كوننا نعتمد في ذلك على ما نملكه من قدرة رهيبة على امتصاص الغضب وفهم نفسية الشخص المستفز الذي يحاول بشتى الطرق تجريدنا من الهدوء والتروي لنجد أنفسنا محاصرين من جميع الاتجاهات عاجزين حتى عن توضيح ما حدث حينها فقط، تتوه الكلمات معلنة التمرد على تلك المشاعر التي تنتابنا لتشعرنا أحيانا بالندم على مواقف قد نعتبرها نحن استثنائية، لكنها أفقدتنا احترامنا لأنفسنا كوننا لم نتصرف بطريقة تليق بالقيم التي نحملها في دواخلنا.
نحن جميعا بحاجة إلى أن نعي حقيقة مهمة قد نتغاضى عنها بحكم أننا نهتم بالظاهر ونهمل ما هو أعمق ليصبح بإمكاننا كشف طبيعة الآخر ومعرفة ما إذا كان يستطيع الاحتفاظ بصورته كما هي بعيدا عن التشويه الذي يلغي معه وضوح الملامح وبساطتها. في تلك المواقف الاستفزازية بالذات نتحول إلى أشخاص منقادين لانفعالاتنا التي قد تؤذينا وتؤذي أشخاصا نحبهم ونهتم لأمرهم، لكنها أيضا من ناحية أخرى تقيس مدى قدرتنا على التحمل معطية لذواتنا الفرصة لتثبت أنها قوية تعي جيدا غاياتهم اللاإنسانية التي يحاولون ترجمتها من خلال التلاعب بالمفردات وفتح الملفات القديمة معتقدين أنهم بهذا الأسلوب السطحي السخيف سينتزعوننا منا احترامنا لأنفسنا وكذلك احترام الآخرين لنا، الأمر الذي يدفعنا حتما إلى التفكير قليلا بتصرفاتهم المستفزة لنتمكن من كشف نواياهم المستترة خلف تلك الخبرة التي يمتلكونها والتي تساعدهم كثيرا في النيل من أشخاص ذنبهم الوحيد أنهم تعاملوا معهم بطبيعتهم لا يدرون أن طيبتهم وعفويتهم ستوقعهم في معارك جانبية لا جدوى منها.
لذا نجد أن البعض منا يفضل اللجوء إلى الهدوء وضبط النفس ربما لأنهم يؤمنون بأن القوة لا تعني أبدا التسرع واستخدام ألفاظ قادرة حتما على استثارة الطرف المُستفَز رافضين السماح لأولئك الذين أساؤوا فهمهم أن يدفعوهم إلى ترميم أخطائهم ومن ثم تقديم قائمة طويلة من التنازلات التي ستستنزفهم حتما لكنها أيضا ستجنبهم حرج الاعتذار.
وحتى لا نبقى مخدوعين بمن حولنا، فمن الضروري أن نجيد قراءة ملامحهم وتحديدا أولائك الأشخاص الذين يتسمون بالبرود والمكر والهدوء وربما السماجة التي تتضح غالبا من خلال مراقبتنا لأسلوبهم في إدارة الحديث معنا محاولين العبث في منطقة هدوئنا تلك لعلهم يستطيعون اقتحام لحظات الفرح والاسترخاء التي نعيشها وبدلا من أن نحافظ عليها بهدوء أيضا نجد أنفسنا مضطرين للقتال من أجلها وإعلان الحرب على أولئك المستفزين الذين يجبروننا على مغادرة مناطقنا الآمنة إلى مناطق أخرى لا نعرف لها حدودا بدون أن نكترث بما نقوله أو نفعله.
لكن بمجرد أن تهدأ الأمور ونعود إلى طبيعتنا، نتألم كثيرا ونسأل أنفسنا لماذا سمحنا لهم أن يختاروا الزمان والمكان وردة الفعل التي أفقدتنا وبجدارة جزءا كبيرا من اتزاننا، قد لا نجد إجابة مقنعة عن سؤالنا هذا، إلا أننا نحاول من خلاله أن نمنح ذواتنا مساحة كافية للتفكير بانفعالاتنا.

اضافة اعلان

[email protected]