أشخاص يغرقون بالوحدة جراء مرورهم بمحنة

بعض الاشخاص لا يتجاوزون أحزانهم ويتوقفون عندها - (أرشيفية)
بعض الاشخاص لا يتجاوزون أحزانهم ويتوقفون عندها - (أرشيفية)

تغريد السعايدة

عمان- يُشكل موقف حزين أحيانا نقطة تحول في حياة الإنسان، بعضهم يعيش بعده فترة طويلة من حياته في حالة من “الجزع والشعور بالذنب والرغبة في الابتعاد عن الحياة والناس”، وآخرون يتجاوزون حالة الحزن المسيطرة عليهم.اضافة اعلان
الثلاثينية سارة (33 عاماً) واحدة ممن سيطر عليهم الحزن سنوات جراء تعرضها لـ”صدمة فقدان شقيقها في حادث سير”.
تقول سارة “بقيت أعواما غارقة في حزني على أخي الذي كنت أرى تفاصيله وطرائفه معي في كل ركن من المنزل”، متابعة “غير أن محاولة الصديقات والأقارب ووقوفهم إلى جانبي كان يخفف عني؛ إذ لم يملوا من تكرار إخراجي من حالة الحزن وتشجيعي على إكمال دراستي والعمل”.
وكذلك الحال بالنسبة لأم جمال التي ماتزال تذكر موقف وفاة ابنها وهو في ريعان شبابه قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً، وكم كان في نفسه الكثير من الأمنيات لتحقيقها، وكان دائم الحديث لوالدته عنها، ويخبرها بأسراره وقصصه، وتسببت وفاته في ابتعادها عن الناس والبقاء في حداد استغرق سنوات طويلة.
وخلال تلك الفترة، تقول أم جمال إنها في كل حالة وفاة تحدث في العائلة أو المحيط تجد نفسها حزينة ومتأثرة جدا وتتذكر ابنها بكل حزن وتجلس في البيت تبكي لساعات طويلة، ودائماً ما تتمنى لو أن “العمر أمهل ولدي قليلاً لتحقيق أمنياته”، إلا أنها تعاود التسليم بقضاء الله وقدره، وتعتقد أن المحيطين لهم الدور الأكبر في تجاوز تلك المحن للإنسان.
اختصاصية التنمية البشرية والطاقة الإيجابية مرام الزيادات، ترى أن الإنسان جراء ما يمر به من حزن قد يغرق في حالة من الانعزال تترافق مع كثير من المعطيات والنتائج مثل الشعور بالذنب والاضطرابات الكثيرة التي تحدث له بين الحين والآخر، أو كلما تجددت تلك الذكريات المؤلمة فيه.
وتنصح الزيادات كل شخص يتعرض لمثل تلك المواقف العصيبة بأن يحفز نفسه على البقاء قوياً ومواجهاً لكل المحن التي تمر به، وأن يكون إيجابياً في الحياة وينظر لكل الأشياء الجميلة في حياته على أنها من نعم الله عليه، ويعود نفسه على البقاء في المستوى الطبيعي والعادي في حياته، وأن المحن لا توقف سير الحياة مهما كانت.
وتعتبر الزيادات أن التغاضي عن بعض الأمور التي تدفعنا إلى السلبية والحزن أحياناً، يجعل الأمور أسهل ويساعد على دعم النفس إلى التجاوب والتأقلم مع ظروف الحياة اليومية التي قد تصيب أي شخص في حياته، ويحتاج ذلك إلى بذل الجهد والمحاولة مراراً وتكراراً للتخلص من السلبية التي تتسبب جراء ذلك.
بيد أن العشرينية جنى أحمد، تشير إلى أن الكثير من التجارب التي عايشتها مع بعض أصدقائها وأقربائها أظهرت لها أن الإنسان “لا يمكن أن يتجاوز بعض المحن أو المواقف الحزينة بسرعة وسهولة، وهي على علاقة مع بعض الصديقات اللواتي قد صادفتهن حالات حزن شديد إما لوفاة والدة أحدهن أو أخ أو قريب، وتؤكد أنهن يعشن حالة “كئيبة جداً” وقد تستمر لسنوات عند بعضهن”.
أما بالنسبة لها شخصياً، فترى أن تلك التجارب التي مرت بها مع من حولها وما كان لها من انعكاسات سلبية على صديقاتها، جعلتها تتعلم درساً من أن الإنسان “يجب أن يكون قوياً ويتحدى تلك المواقف ويتناساها ويتعمد ذلك، حتى يستطيع مواصلة حياته بكل إيجابية، لأن الحياة في النهاية لا تتوقف على شخص أو موقف معين”، على حد تعبيرها.
وفي ذلك، تؤكد الزيادات أن الطاقة التي تكونت خلال هذه المواقف السلبية والعصيبة في الحياة تكون طاقة قوية وفيها نوع من “الخوف”، لذلك لماذا لا يحاول الإنسان أن يحول تلك الطاقة فيما بعد إلى طاقة إيجابية وطاقة فرح وقوة؛ إذ إن هذا الموقف يُظهر أن طاقة الخوف والرعب قد تحولت فيما بعد إلى طاقة سعادة لأنها وجدت ما تريده.
ومن الناحية التربوية، يعتقد الاستشاري التربوي الدكتور محمد أبو السعود كل ما يحدث في حياة الإنسان هي حالات ومواقف معينة قد تؤثر فيها التربية والتنشئة الاجتماعية، ومن ذلك إصابة الإنسان ببعض الأمراض النفسية “المكتسبة”، كحالات الرهاب والخوف من بعض المواقف الحياتية.
ويضيف أبو السعود أنه في حال كان أحد المحيطين بالطفل يعاني من حالة نفسية معينة، مثل الخوف والانعزال والدخول في حالة من الكآبة، فقد يؤثر ذلك فيما بعد على المحيطين ومنهم الأطفال، حيث إنهم شديدو التأثر بالحالات النفسية للكبار، وينعكس ذلك على تربيتهم فيما بعد.
ووفق أبو السعود، فإن المجال كبير لتعديل السلوك سواء للكبار والأطفال من خلال الدخول في برامج خاصة تعمل على “إطفاء السلوك السلبي والمرضي وتعزيز السلوك الإيجابي بشكل تدريجي”، وهذا يعد “نوعاً من العلاج السلوكي والنفسي في الوقت ذاته”.