أشخاص يكسرون ثقافة العيب لتأمين لقمة العيش

متطلبات الحياة تستوجب على رب الأسرة العمل بمهن قد لا تليق بشهادته لتأمين مصدر دخل - (MCT)
متطلبات الحياة تستوجب على رب الأسرة العمل بمهن قد لا تليق بشهادته لتأمين مصدر دخل - (MCT)

منى أبو صبح 

عمان- عدم توفر فرصة عمل مناسبة، وسوء الأحوال المعيشية دفع الأربعيني أبو رأفت للتفكير في أي عمل يستطيع من خلاله تأمين احتياجات عائلته دون اللجوء لطلب المساعدة من الآخرين، فلم يكن منه سوى شراء عربة خشبية ومعدات لازمة لبيع (الفول، الترمس، البليلة، الذرة المسلوقة) لزوار إحدى الحدائق العامة.اضافة اعلان
يقول أبو رأفت، “لدي عائلة مكونة من خمسة أفراد، وعملت في إحدى الشركات لمدة خمسة عشر عاما ، وتم الاستغناء عن خدماتي مؤخرا، فكيف يمكنني تدبير مصاريفنا وإلتزاماتنا المتعددة؟، وعليه قمت بهذا العمل الذي يعيلني”.
يضيف، “في بادئ الأمر اعترضت زوجتي وابني البكر هذا الحل، ولكني تحاورت معهما  واقنعتهم بأن العمل الشريف لا يعيب المرء، ويغنيه الإستدانة وطلب المعونة”.
يرى العديد أن العمل ليس عيبا مهما قل وصغر بل يقدمون عليه، وينظر إليه الآخرون نظرة احترام وتقدير، بينما يعتقد آخرون أن العمل يحدد هوية صاحبه في المجتمع، وعليه أن ينتظر لحين حصوله على العمل المراد.
ولجأت الثلاثينية أم عامر للعمل في إحدى المدارس الخاصة (آذنة) لتأمين متطلبات أسرتها المكونة من أربعة أفراد، وجاء قرار أم عامر هذا بعد وفاة زوجها بثلاثة أشهر شعرت فيها بأنها عالة على المحيطين بها جميعا حسب قولها.
تقول أم عامر، “العمل عبادة، وحاولت البحث عن عمل أفضل، لكن دون فائدة، كما أنني أصنع بعض المنتجات اليدوية من سلال قش وصواني وأحاول تطويرها في المستقبل، لكن يلزمني دخل ثابت أعتمد عليه في سد احتياجات أطفالي ومتطلباتهم”.
أما الأربعينية أم جمال فتعمل في تنظيف المنازل حسب طلب السيدات، واتجهت لهذه المهنة بسبب سوء الوضع الذي تعيشه مع زوجها وابنائها الخمسة.
وتقول، “العمل ليس عيبا لأجل تحصيل الرزق، ولكن المصيبة التي نعيشها أن العادة والتقاليد السائدة في مجتمعنا لا تسمح بمثل هذا العمل، والأسوأ من ذلك كله النظرة الغريبة والقيل والقال بين الناس، كما أن أبنائي ينزعجون من هذا العمل، ولكن ما باليد حيلة”.
أما الشاب العشريني عبدالله فقد أقدم على العمل في أحد المطاعم (مقدم طعام) لتأمين مصدر رزق، رغم حصوله على شهادة البكالوريوس، مؤكدا أنه ما يزال يسعى لتقديم طلبات الحصول على وظيفة مناسبة، لكنه لن يجلس في المنزل منتظرا المصروف اليومي من والده الذي تكبد عناء تعليمه وأشقائه.
يقول عبدالله، “يبدأ عملي في الساعة الثانية عشرة ظهرا وينتهي في العاشرة مساء، ورغم تواضع الراتب الذي أتقاضاه، والذي لا يتوافق مع غلاء المعيشة الذي نعيشه، غير أنه يسد احتياجاتي وأساهم به بجزء بسيط من متطلبات عائلتي”.
ويضيف، تشجعني أسرتي على هذا العمل، وفي المقابل هناك من يحبطني ومن يطلب مني ترك العمل بحجة أنني متعلم ومن المفترض ألا أعمل مثل هذه الأعمال، لكني أرفض هذه الآراء نهائيا، لأن كسب الرزق والعيش لا يعرفان عملا معينا، وفي النهاية العمل ليس عيبا ما دام شريفا.
ويبين استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان أن متطلبات الحياة تستوجب على رب الأسرة العمل لتأمين مصدر دخل، والعمل كما هو مطلب فهو أيضا قيمة اجتماعية ينظر المجتمع لصاحبها نظرة تقدير وبأنه حريص على أن يكسب قوته من عمل يده، والعمل إما أن يكون وظيفة رسمية ثابتة أو عملا يوميا متقطعا أو مهنة أو تجارة وهو في كل الأحوال محبب ومطلوب والأصل أن هذا العمل وخصوصا في سن العطاء مطلوب من جميع الرجال، ومن كثير من النساء بحكم التخصص والمهنة والتي قد تكون مطلبا مجتمعيا كعمل الطبيبة مثلا، أو من باب مساعدة الزوج في تأمين متطلبات الأسرة والأبناء خصوصا مع ارتفاع تكاليف الحياة.
ويقول “ولا بد للدولة من تأمين الأعمال لطالبيها، بظروف مقبولة وبأجر مناسب، وفي بعض الحالات والظروف يضطر الأبناء إلى العمل وهذا قد يكون على حساب دراستهم أو علاقاتهم الأسرية وهنا يجب أن تتدخل الجهات المسؤولة في مثل هذه الظروف شريطة أن تكون قادرة على تأمين احتياجات الأسرة ولتأمين النفقات التي دفعت مثل هؤلاء الأطفال إلى العمل، فلا يكفي المنع خصوصا في الحالات الاضطرارية”.
والعمل في كل الأحوال ليس عيبا وفق سرحان، وإن كان الشخص في الأغلب يبحث عن العمل الأفضل سواء من حيث المستوى الاجتماعي ومستوى الدخل وما يتناسب مع تخصصه وحرفته، إلا أن واقع الحال يشير أنه في بعض الأحيان قد لا تتوفر فرصة العمل التي تحقق طموح الشخص ورغباته وفي هذه الحالة فإن الأصل أن يكون للشخص قابلية للعمل فيما يتوفر من أعمال ولو بشكل مؤقت حتى لا يضطر الشخص إلى مد يده وطلب المعونة والمساعدة من الآخرين.