"أشواك".. قطب!

أنهيت، قبل أيام، رواية سيد قطب "أشواك". وهي "نصّ" أدبي نفسي جميل، يتحدث عن قصة حبّ فاشلة لشاب ريفي يقيم في القاهرة، يرتبط بفتاة مدنية تصغره سنّاً، وتكشف له في مرحلة الخطبة أنّها كانت تحبّ شاباً قبله، لكن أهلهما معاً رفضا القبول بالزواج، ولتكمل الرواية (القصيرة) الفصول الباقية جميعاً في توصيف المشاعر الداخلية والمرتبكة والقلقة داخل هذا الشاب، وبينه وبين الفتاة.اضافة اعلان
قد يصعب على كثير من الإسلاميين، سواء من "الإخوان" أو من التيار الراديكالي نفسه، تخيّل أنّ سيّد، الذي كتب "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق"، وباقي المؤلفات الفكرية المعروفة، هو نفسه من كتب "أشواك" أو قصيدة "الكأس المسموم"، لأنّهم لم يعرفوا غير سيد بعد العام 1953، في مرحلة "الإخوان"، ثم الصدام مع الضباط الأحرار، والكتابات الفكرية الإسلامية التي قامت على موضوعة الحاكمية والصراع السياسي الأيديولوجي، وانتهى الأمر بإعدام الرجل في العام 1966.
قد يكون قطب نفسه سبباً في هذه "القطيعة" مع تراثه الأدبي السابق على "تحوله". ويقال إنّه تبرّأ من ذلك التراث الأدبي، بالرغم من أنّه كان من أبرز نقّاد الأدب العربي الشباب في مصر، ومتأثراً شديداً بعباس محمود العقاد. ويرى بعض الباحثين أنّ "أشواك" هي محاكاة لرواية العقاد "سارة"، وأنّها -أي "أشواك"- تستبطن قصة حبّ سيد قطب نفسه الفاشلة، إذ انتهى الأمر إلى فك الارتباط/ الخطبة.
شخصياً، ومن خلال قراءة سيد قطب، والتعرّف إلى أسلوبه الأدبي، لا أشكّ بأنّه يتحدث عن نفسه وتجربته الذاتية، بل ربما تكون قصة الحب الفاشلة هذه من الأسباب الجوهرية التي خلقت مسار التحول لدى قطب، الذي شعر بفراغ وجداني كبير بعد فشل هذه التجربة، وبالرغبة في صناعة شيء أو البحث عن شيء مفقود في حياته حينها. إذ رغم أنّه وصل إلى مرتبة الشهرة الإعلامية والأدبية في تلك الفترة، فإنّه كان يرغب في شيء أكبر يملأ الفراغ، الأمر الذي جاء مع تحوله الفكري والوجداني نحو "الخط الإسلامي"، قبل أن ينضم فعلياً إلى الإخوان المسلمين.
مشكلة قطب أنّه ظُلم من خصومه وأتباعه على السواء. فخصومه أعدموا كل إنتاجاته، وقضوا على سمعته، وصادروا أي شيء يمتّ له، بدعوى أنّه منظّر التيار التكفيري، والأب الروحي للراديكالية الإسلامية. أمّا أتباعه، فظلمهم أشد وطأة على شخصية قطب وإنتاجه، إذ ألغوا الجوانب الإبداعية المختلفة في فكره، واختزلوه بكتبه ما بعد التحول. وحتى هذه الأخيرة قرأوها بصورة سطحية، من دون الالتفات إلى أنّ هناك فارقاً كبيراً بين الكتابة الأدبية، التي تميّز بها قطب، وبين التنظير الفقهي والفكري الذي يحتاج إلى "عدّة" مختلفة، نوعاً ما، عن تلك التي امتلكها قطب.
ما أود الوصول إليه هنا، هو ضرورة أنسنة قراءتنا للأمور كافّة، بما في ذلك الموقف من سيد قطب وتحولاته، بين ترجيسه وتقديسه، فهو في النهاية أديب مفكر، مرّ بتجارب مهمة وجدانية وفكرية، وعبر تحولات تراجيدية، وعاش لحظات زمنية فارقة، ومن الضروري أن نستحضر تلك "الظروف" في قراءته وتقييمه، ومن أكثر من زاوية، الأدبية والفنية والإنسانية، وقيمة ما كتب، وليس القفز مباشرةً إلى اتخاذ موقف "مع" أو "ضد"، فهو لا يقلّ قيمة في إنتاجه المعرفي عن مفكرين غربيين أو عرب آخرين، حتى مثل أولئك الراديكاليين!
أغلب الجيل الإسلامي قرأ سيد قطب، وتأثّر به في شبابه، لكنه بقي أسير قراءة أيديولوجية محددة. بينما لو كان هناك "أنسنة" لما كتبه، فأظن أنّ اتجاه تأثيره سيختلف.
على أيّ حال، أحسب أنّ "أشواك" ليست فقط عنواناً لرواية سيد، بل هي عنوان لحياته ومسيرته.