أصدقاء الطفولة: حنين وذكريات واسترجاع للمغامرات

يميل كثيرون لاسترجاع الحديث عن اصدقاء الطفولة - (أرشيفية)
يميل كثيرون لاسترجاع الحديث عن اصدقاء الطفولة - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان - تتسلل ذكريات أصدقاء الطفولة بين الحين والآخر أمام الستيني أبو صهيب لتعيده إلى الصفاء والبراءة وشغب الشباب، فتملأ قلبه دفئا وحنينا، لتحلق به الذكريات وتحاصره الأسئلة أين هم الآن، وهل تغيرت الملامح والطباع؟، ولا يستطيع منع نفسه من أن يحلم بلقائهم ذات يوم يستعيدون الماضي ليخفف زحمة وهموم الحاضر.
يقول أبو صهيب “يسرني كثيرا الحديث عن أصدقائي في الصغر أمام أحفادي، فعند تجمعهم حولي أبدأ بسرد الأحداث والمغامرات التي خضناها معا، كيف كنا نتقاسم القروش لشراء الحلوى، ونلعب ونشاكس ونوبخ معا، مشاركتنا في حراثة الأرض وجمع المحاصيل الزراعية، وغيرها من الأيام التي لا يمكن للسنين محوها من ذاكرتي”.
يتابع “أرى الشغف والشوق بعيون أحفادي لمعرفة تفاصيل المغامرات، وتعلو قهقهاتهم لمواقف يبحرون بخيالهم كأنهم يعيشون الحدث ذاته، وهنا أبدأ بتشبيه بعضهم لشخوص أصدقائي الذين أتمنى معرفة أحوالهم”.
مهما كثر أو قل عدد الأصدقاء في حياة الشخص يظل أصدقاء الطفولة لهم مكانة خاصة، فهؤلاء في نظر كثيرين لا يمكن تعويضهم والحصول على صداقة تحمل كل هذا الكم من الحب والوفاء والتفاهم الموجود في صداقات الطفولة.
ويشعر كثيرون بالنشوة عندما يسترجعون ذكريات الصداقة القديمة ويروون الذكريات التي كانت تجمعهم والمغامرات التي كانوا يقترفونها معا.
يبين الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد، أنه لا يمكن نسيان أصدقاء الطفولة مهما طال الأمد ودارت الأيام، فإذا جلس المرء مع نفسه وحاول أن يتذكر أسماء أصدقاء الدراسة على سبيل المثال، فإنه وبلا شك سيستطيع أن يحصر أسماء أصدقاء الطفولة والمرحلة الأولى من التعليم بسهولة وبأضعاف مضاعفة، مقارنة بأسماء أصدقائنا في الجامعة أو التعليم العالي، والسبب هو أن الذهن يكون في مراحل الطفولة صافيا ونقيا والذاكرة قادرة على الاستيعاب، والتركيز الذي لا تمحوه السنوات.
يضيف “وبعد ذلك تبدأ الذاكرة في الاستيعاب بدرجة أقل لكثرة ما يتم تسجيله فيها من أحداث، والشيء المثير حقا أن صداقات الطفولة تصبح أقوى الصداقات إذا استمرت بدون انقطاع، وحتى إذا انقطعت أخبارنا عن أصدقائنا القدامى (أصدقاء الطفولة) فبمجرد مكالمة واحدة يمكن استعادة الذكريات الجميلة التي كانت في الماضي”.
هناك حنين إلى الماضي دائما، والذي نعتبره جميلا، وفق أبو زناد، سواء كان جميلا حقا أم لأنه انتهى، لذا نرى أن الحرص على الصداقة بصفة عامة وصداقة الطفولة بصفة خاصة شيء جميل عميق المغزى.
هدى مسلم (42 عاما) وجدت ضالتها في الوصول لصديقة الطفولة بالاستفادة من تقنيات الإنترنت عبر (فيسبوك)، ونجحت في ذلك بمراسلتها أولا، ومن ثم سماع صوتها، لحين رؤيتها واسترجاع أكثر من ثلاثين عاما مضت على الصديقتين.
تقول مسلم “يمكن للمرء معرفة أناس جدد كل يوم، ولا شك أن في جعبتنا العديد من الأصدقاء والمعارف، لكن صديق الطفولة مختلف، فلقد جمعتنا بهم أيام البراءة، الشقاوة، الفرح، الخوف، الأمنيات، صراحة لا يمكننا وصف صديق الطفولة سوى أنه الأقرب لنفوسنا وقلوبنا”.
وتضيف “ليس هناك أجمل من تلك اللحظة التي خاطبتها بها عبر الهاتف، ورغم اختلاف نبرة الصوت بحكم مرور السنين، إلا أننا لم نستطع كف أنفسنا عن البكاء حنينا وشوقا لصداقتنا في الصغر، وبدأنا الحديث عن أحوالنا، لحين لقائنا واسترجاع ذكرياتنا من هنا وهناك”.
أما الوالدة الثلاثينية أروى خليل فتحث أبناءها الصغار منذ الآن على أهمية الحفاظ على أصدقائهم في المستقبل، وتبين لهم كيفية تحقيق ذلك  باختيارهم الصديق الأقرب لنفوسهم، ضاربة مثالا حيا في ذلك تواصلها مع صديقتها آية منذ الطفولة.
تقول “لي ولصديقتي آية ذكريات عدة لا يمكن طيها، ورغم بعد المسافات بيننا، إلا أننا نتواصل بين الحين والآخر عبر التكنولوجيا المختلفة، وأجزم أنها أكثر البشر تفهما لما يدور برأسي وأنا كذلك بدون الحاجة لطول الشرح والتوضيح”.
ويبين استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان، أن الصداقة حاجة ضرورية للإنسان لأن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين لأنه اجتماعي، والصداقة تعني العطاء المتبادل وهي علاقة بين شخصين يريد كل منهما الخير للآخر، ولذلك فهي من أهم العلاقات الاجتماعية التي يكونها الإنسان، ولذا لا بد للإنسان أن يحسن اختيار أصدقائه والأهم من اختيار الصديق هو المحافظة على الصداقة.
وأهم الصداقات وأفضلها، وفق سرحان، هي التي تدوم مدة طويلة، فالشخص يقاس بعمق صداقاته (عمر هذه الصداقات)، فكلما كان الإنسان محافظا لمدة أطول عن صداقته كان أكثر تميزا وقبولا.
يضيف “ولعل الصداقات في فترتي الطفولة والشباب هي الأهم، إذا ما استطاع الإنسان أن يحافظ عليها، لأن فيها ذكريات الطفولة والشباب، وهي ذكريات جميلة وخصوصا عندما يتذكرها الشخص بعد عشرين أو ثلاثين عاما وهي بلا شك علاقات نابعة من محبة وألفة وبراءة، وإذا ما استطاع الشخص أن يحافظ على هذه العلاقات أو بعضها لسنوات فإنه سيجد متعة في استمراريتها، وتتميز أكثر عن العلاقات والصداقات التي يقيمها الإنسان في فترات متأخرة”.
وينصح سرحان الآباء والأمهات بأن يشجعوا أبناءهم على إقامة الصداقات واستمراريتها، لأنها تعبير عن الشخص ذاته.

اضافة اعلان

[email protected]

@munaabusubeh