أطفال الركبان وأطفال المفرق

خلال سنوات الأزمة السورية القاسية، بقي المدخل الإنساني في فهم الموقف الأردني من ملف اللاجئين هو الأكثر وضوحا واحتراما من قبل العالم. فالأردن يعد اليوم واحدا من أكثر دول العالم خبرة في إدارة اللاجئين، والأطول خبرة أيضاً في تطوير سياسات أكثر استدامة في هذا المجال، ما يجعل الحملات الإعلامية الأخيرة التي حاولت تجاوز هذه الحقائق موضع تساؤل وريبة وسط فوضى التصنيع السياسي والإعلامي التي تجتاح المنطقة من كل الجهات.اضافة اعلان
القصة التي دارت حول منع السلطات الأردنية إدخال طفل سوري يحتاج رعاية صحية، وتم نفيها أردنيا ولم تثبتها أو تتبنها الجهات والمنظمات الدولية، تشكل حالة واضحة على التصنيع الإعلامي الرخيص. وللأسف، ساهمت في هذا التصنيع وسائل إعلام إقليمية ودولية ومحلية أيضا، فلم تُخضع (هذه الوسائل) الرواية لأبسط قواعد التحقق المهني. وهنا لا تكمن القصة في هذا الجانب وحده، فالجميع يعلم حجم التوظيف السياسي الذي تدار من خلاله هذه الوسائل. الأخطر من ذلك محاولة خلق رأي عام يحرق كل ما قدمه المجتمع الأردني قبل الدولة للاجئين، ويتجاهل أن أطفال المفرق والرمثا وإربد، وصولا إلى معان، تقاسموا مقاعد المدارس مع أطفال درعا والسويداء وغيرهما من المدن السورية، كما يتقاسمون كل يوم أسِرة المستشفيات في كل مكان من المملكة.
لا يجوز أن نفصل الحاجات الأمنية عن خطاب حقوق الإنسان. وبعكس ما قد يروج، فإنه خلال السنوات الماضية كان الكثير من الإجراءات والخطوات التي اتخذها الأردن تمنح الأولية لحقوق الإنسان، وما يزال الأردن الرسمي يتحفظ على إطلاع الرأي العام الدولي والإقليمي على حجم الفاتورة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الفعلية التي سيدفعها الجيل المقبل؛ أي أولئك الذين ما يزالون على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، نتيجة ما شهده من زيادة قسرية في أعداد السكان. وما يزال الخطاب الرسمي الموجه للمجتمع الدولي خطابا قائما على طلب العون والمساعدة، ولم ينتقل إلى خطاب قائم على الشراكة في تحمل المسؤولية. صحيح أن "الأردن دوما كان ملاذا للمظلومين"، لكن هذا الخطاب لا يطعم الأردنيين خبزا ولا يخفف من مصاب السوريين.
لذا نلاحظ حجم الفراغ في الخطاب السياسي الذي يجعل من حملات تتجاهل بسهولة مئات الآلاف من أطفال سورية الذين قتلوا أو شردوا، لتنشغل بقصة ربما مختلقة؛ فصورة جنود الجيش الأردني الذي انشغل طوال السنوات الخمس الماضية بتأمين عبور أكثر من مليون طفل وأسرة، لا يمكن أن تتوارى خلف هذه الدعاية.
ماذا عن اليوم التالي؟ وماذا عن أيام مخيم الركبان الحدودي إذا ما اشتدت الأزمة، وانتقلت المواجهات العنيفة إلى الجنوب السوري؟ وماذا إذا احتشدت التنظيمات المسلحة وأعادت تموضعها الاستراتيجي في جنوب سورية بمحاذاة الحدود الشمالية الأردنية؟ الأردن الرسمي عليه أن يقلب صفحة المهادنة والرجاء في وجه المجتمع الدولي ودول الإقليم التي تدير الأزمة، ولا تريد أن تساهم فعليا في تخفيف مأساة الشعب السوري، وتقليل وطأة النزوح.
انعكاسات اشتداد الأزمة السورية تضع مخيمات الداخل والمخيمات الحدودية في زاوية حرجة، وتفرض عدة سيناريوهات في معركة الحسم التي من المتوقع أن يبدأ الحديث عنها خلال أشهر قليلة. علينا أن ننظر بعين الاعتبار إلى الكلف الأمنية، وإلى تقدير الموقف الداخلي ومدى القدرة على تطوير رؤية أردنية لشكل الحسم، وتحديدا لشكل التموضع الاستراتيجي في جنوب سورية خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة، وعلاقة كل ذلك بالمخيمات والسياسات التي يجب أن يتم تطويرها لإدارة ملف اللاجئين، وإدارة الخطاب الموجه للعالم وللإقليم وقبل كل ذلك للرأي العام الأردني.