أطفال ‘‘جرف الدراويش‘‘ يحتفون بإطلاق المكتبة النموذجية بقريتهم

تغريد السعايدة

عمان- سعادة غامرة بدت على ملامح الطالب ساجر سلامة (9 سنوات) وهو يتصفح الكتب داخل المكتبة أو "الغرفة" كما أسماها. يتنقل بين الأرفف ليلتقط القصص التي تجذبه، ويطلع على عباراتها وهو يتهجأ أبسط الحروف. يقول "أنا لا أقرا قصصاً كثيرة.. كانت المعلمة تعطيني أحيانا قصة وأعيدها بعد يوم أو يومين".اضافة اعلان
هو واحد من أطفال قرية جرف الدراويش الذين حضروا أول من أمس انطلاقة المرحلة الأولى من مكتبة مسار الخير النموذجية في القرى النائية، بمشاركة مجموعة من الجهات الرسمية والأهلية التي تسعى لدعم الأطفال في القرى التي تحتاج لتنمية الجانب الثقافي والتعلمي فيها.
كانت لحظات مميزة والأطفال يتبادلون الكتب والقصص الملونة فيما بينهم، ويستمتعون بالأقلام والألوان والقرطاسية الجديدة التي سيأخذونها معهم للمدرسة.
وكانت سبأ الطالبة في الصف السادس من ضمن الحاضرين في افتتاح المكتبة، فهي تتمنى أن تكمل دراستها وتصبح طبيبة بالمستقبل، رغم أن الكثير من الفتيات اللواتي تعرفهن توقفن عن الدراسة بعد المرحلة الأساسية، وقلة من توجهن إلى الجامعة، فأصبحن أسيرات البيت في قرية بعيدة عن الخدمات وتفتقر للمشاريع التنموية.
ومع وجود مكتبة في مبنى جمعية شابات الجرف للخير التي تترأسها الناشطة في المنطقة وداد مناعين، سيتمكن ساجر وزميله زيد مخلد وغيرهما من الطلبة من التوجه بأي وقت للحصول على كتاب بسيط أو قصة ملونة بعبارات بسيطة توسع مداركهم بعيداً عن المناهج المدرسية.
وتعد مكتبة الجرف، المرحلة الأولى لانطلاق المكتبات النموذجية في القرى النائية بتعاون مشترك ما بين رابطة الكتاب الأردنيين وجمعية تواصل الثقافية وهيئة شباب كلنا الأردن، وبرعاية من مبادرة مسار الخير التي يتم من خلالها الوصول للقرى النائية وبحاجة للدعم، وليس فقط مساعدات عينية غذائية.
وهو ما تؤكده مناعين، التي ترى في قريتها نموذجاً لقرى كثيرة في الجنوب، تعاني من ضعف الاهتمام بالبرامج التي تسهم برفع مستوى الثقافة والتعليم في المنطقة، مشيرة إلى وجود المئات من الأطفال الذين يتوجهون لمدارسهم "وليس لديهم ثمن القلم"، على حد تعبيرها.
هم طموحون ويقبلون على القراءة والعلم "بنهم" فلا يوجد مغريات حولهم وترفيه سوى الكتب المدرسية واللعب بالحارات، وفق مناعين التي تبين أن وجود المكتبة وبمتابعة من القائمين عليها ستكون بوابة للعلم وفيها فائدة للأطفال، لذلك ستعمل على تطويره برفقة زميلاتها في الجمعية من خلال تفرغ سيدتين للعمل على تنظيم عملية الاستعارة والمتابعة ووضع برنامج لكل طفل لديه كتاب مستعار من أجل تقديم شرح بسيط لما فهمه في القصة، حتى يتم التأكد من أنه قد قرأ المحتوى.
إلى ذلك، سيكون هناك متابعة لعملية الاستعارة حتى يتعلم الطفل أهمية المحافظة على الكتاب أو القصة والاستفادة من مضمونها.
ومن المجتمعات القريبة من طبيعة الجرف وسكانه، كان الحاضر في افتتاح المكتبة الفنان الأردني وبطل فيلم "ذيب" حسن الحويطات، وهو في الوقت ذاته ناشط اجتماعي وله العديد من الأعمال التطوعية بمرافقة مسار الخير، وتم اختياره لذلك.
وتحدث حسن للمهتمين في المنطقة عن دور المساعدات بأشكالها المختلفة وتمكين المرأة من إثبات نفسها في مختلف المحافل رغم الظروف التي يمكن أن تعانيها، وعن أهمية الفن بالقراءة والثقافة وتمكين المجتمع.
ومن جهته، قال مقرر اللجنة الاجتماعية في رابطة الكتاب الأردنيين، محمد الوحش "إن المتابعة ستكون دائمة للمكتبة، وسيكون هناك نوع من المكافآت التحفيزية للأطفال لتشجعيهم على القراءة"، مشيراً إلى أن المكتبة تحتوي أصنافاً مختلفة من الكتب يمكن لأي شخص مهتم ويرغب في المطالعة أن يقرأها.
وعبر الوحش عن سروره بأن يكون هناك "بذرة للعمل الثقافي بجانب العمل الخيري الذي يقدمه مسار الخير، ليكون هذا التعاون منارة مضيئة رغم الإمكانات البسيطة". ويبين أن هناك نقاط ضوء أخرى ستشمل باقي المحافظات والقرى النائية تحديداً.
رئيسة جمعية تواصل الثقافية، الدكتورة ريما ملحم، قالت "إن الهدف الأول من هذه المشاريع التنموية هو نشر الثقافة بقدر الإمكان وتنمية حب القراءة لدى الطفل منذ البداية، وأن يكون هناك "علم ينتفع به"".
وشددت ملحم على أن وجود إرث ثقافي تراثي في هذه المناطق يحتم علينا أن نثري المكان بالكتب والقصص التي تناسب مختلف الأطياف، متمنية أن تستمر هذه المكتبة وغيرها في المملكة عبر دعم مستمر للأهل والأطفال وإدخال للتكنولوجيا فيما بعد.
وقال نايف النسور من جمعية المكتبات الأردنية "إن الدعم سيستمر بأشكاله كافة من كتب ورفوف ومحتويات للكتب والتنسيق لإقامة دورة خاصة للقائمين على تلك المكتبات، مع ضرورة إدخال التكنولوجيا".
مدير العلاقات العامة في جمعية تواصل، كمال هديب، تابع تفاصيل المكتبة وتنفيذها منذ اللحظة الأولى، وقال "إن هذه المبادرة المشتركة تؤكد أهمية الكتاب في كل زمان ومكان لما له من أثر بالغ في نشر ثقافة الوعي والمعرفة، وهي مبادرة من حيث الشكل والمضمون تأتي كقيمة إنسانية وثقافية اجتماعية ليستعيد الكتاب قيمته وعافيته في أي مكان".