أطفال سورية

بحسب البيان الذي أصدرته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، نهاية الأسبوع الماضي، فإن هناك نحو مليون طفل سوري لاجئ، معظمهم دون سن الحادية عشرة، في دول اللجوء المحيطة. كما أن هناك نحو مليوني طفل آخرين مشردين داخل بلادهم. وتأتي هذه المعلومات الصادمة في الوقت الذي يقف فيه العالم مشدوها أمام جريمة أطفال الغوطة، بكل ما يلفها من غموض واحتمالات؛ ما يجعل المشهد السوري عارا حقيقيا يلاحق العالم بأكمله.اضافة اعلان
في لحظة من التاريخ، تصاب نظم سياسية بأكملها بالجنون، وتصبح مهمتها في التاريخ هي القتل وصب الهوان على البشر. أصيبت بهذا الداء روما في لحظة من التاريخ، كما هي الحال عندما أصاب النازية والفاشية. ولكن، هل ثمة تبرير لأن يكون وقود النضال من أجل الديمقراطية، أو حتى أي فكرة دينية مهما كانت نبيلة أو متطرفة، هو القتل البشع للأطفال، وكل هذا التشريد والحرمان لجيل بأكمله يتم اجتثاثه في هذا الوقت بكل أعصاب باردة، ومن قبل طرفي الصراع؟
تُرتكب اليوم بحق أطفال سورية واحدة من أكبر جرائم العصر. وهي لا تتوقف عند حد التشريد داخل بلادهم واللجوء عبر الحدود، بل نحن أمام جريمة عابرة للأجيال. ويبدو أن الجريمة تمتد بعيدا. إذ أذكر أنني التقيت أطفالا سوريين في الموجة الأولى من اللاجئين تجاوزت أعمارهم العشر سنوات، وكانت المفاجأة أنهم لم يذهبوا من قبل إلى المدارس! ربطت ذلك مع معلومات اطلعت عليها لاحقا تؤكد أن أرقام الأمية التي تتحدث عنها الحكومات السورية مزيفة وغير حقيقية، وهي جريمة لا تقل خطورة عن مقتل أكثر من خمسين ألف طفل في الحرب الدائرة؛ أي نحو نصف ضحايا الصراع على السلطة في سورية، مع هدم نحو ثلاثة ملايين منزل تؤوي ملايين الأطفال.
لا توجد لأطفال سورية ذكريات تربطهم ببلادهم التي ابتكرت فيها أول أبجدية في التاريخ؛ لا ذكريات تتعلق بمدارسهم، ولا بأصدقاء وزملاء، ولا ملاعب.. سوى ذكريات القصف والرصاص والخوف اليومي الذي يلاحقهم في كل مكان؛ في مخيمات اللجوء، وفي بلداتهم وقراهم الممزقة.
في العام الماضي، نشرت منظمة "أنقذوا الأطفال" تقريرا عن أطفال الحرب في سورية، حمل عنوان "طفولة في مرمى النيران"، ورصد قصصا وشهادات مرعبة من الأطفال كان المفترض أن تقلق ضمير العالم. لكن حتى مشهد أطفال الغوطة المرعب ما يزال موضوع  نقاش وبحث! ونشر التقرير نماذج من رسومات أطفال المخيمات، حيث يمكن ملاحظة حجم التشويه والضياع الذي يلاحقهم.
الأطفال هم دائماً أكثر ضحايا الحروب، لكن في الحرب السورية هم وقود هذه الحرب المجنونة؛ حيث يدفع بهم بدون خجل إلى الهلاك والموت. إلى جانب النظام، تتحمل المعارضة السورية المسلحة المسؤولية ثلاث مرات عن هذا المصير؛ المرة الأولى حينما حولت المناطق المدنية إلى ساحات للحرب، واحتمت بالنساء والأطفال. والمرة الثانية حينما حولت قضية الأطفال إلى مجرد مسألة إنسانية لاستدرار العطف العالمي والمزيد من الإدانة للنظام. والمرة الثالثة حينما عجزت عن توفير البديل الذي يضمن الحد الأدنى من حقوق الأطفال، سواء في مخيمات النزوح أو اللجوء، أو في المناطق التي تسيطر عليها.

[email protected]