أطفال فلسطين.. "مجدٌ" معذَّب..!

في العام 2000، تناقل العالم صورة الطفل الفلسطيني فارس عودة -13 عاماً- وهو يقف بجسده الصغير أمام دبابة مخيفة لكيان الاحتلال على حدود غزة، ويقذفها بحجر. وبعد تسعة أيام فقط، وبينما كانَت صوره ما تزال تطبع في الصحف، أطلق الجنود النار عليه وأصابوه في رقبته، وارتقى.اضافة اعلان
وقالت أمه لوكالة "أسوشييتد برس" إنها حاولت أن تبعده عن طريق الخطر بعد أن قتل الجنود ابن عمه، شادي عودة -17 عاماً- لكنه أصر على خوض حربه بالحجارة ضد الجنود المدججين حتى استشهد. وقالت أمه أيضاً لصحيفة "الواشنطن بوست": "عندما أرى صورته يتمزق قلبي. أظن أنني أشعر بالفخر لأنه يُسمى بطلاً، واقفاً أمام دبابة وكل هذا. لكنني عندما أرى أترابه يعودون من المدرسة، فإن كل ما أستطيعه هو البكاء. هذا ما كنتُ أقوله لجيراني –إنني أخشى أن يكون موت فارس من أجل لا شيء. أن يعود كل شيء إلى حاله فقط. ويكون الشيء الوحيد الذي حدث هو أنني فقدتُ ابني".
ما حدث لفارس عودة، حدث لمحمد الدرة -12 عاماً- وما يحدث لآلاف الأطفال الفلسطينيين الآخرين الذين يواجهون وحشية الاحتلال يومياً: لدى اجتياز نقاط التفتيش المرعبة في الطرق إلى المدرسة؛ وبالاشتباك مع الجنود في المسيرات، أو في غاراتهم الليلية لاعتقال الأب أو الشقيق، أو بالتعرض المباشر لقنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي. وعادة ما تذهب القصص الفردية لعشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين على مدى أجيال دون أن تروى. لكن البعض منهم يذهبون إلى "المجد" حين تنتشر صورهم ومقاطع الفيديو عنهم ويراهم الناس في كل مكان.
عهد التميمي واحدة أخرى فقط من أطفال فلسطين الذين يصادفون المجد المسكوك من العذابات –وهو مجدٌ خاص، لأنه نتاج للاطبيعية. ولأن سياقه ونتيجته معاناة خالصة. وكان يمكن أن تكون عهد، كما قالت في مقابلة، لاعبة كرة قدم فقط كما تحب أن تكون. لكنها بدلاً من ذلك أسيرة، وقبل ذلك مشتبكة دائماً في صراع مرير مع قوة هائلة الشراسة وخالية من الرحمة.
يقول باسم التميمي والد عهد، في مقابلة، إنهم فكروا في إشراك الأطفال في الاحتجاجات، وقرروا أن ذلك أفضل لتعويدهم على مواجهة الواقع الحياتي القاسي. وقد يكون ثمن تعلم خبرة الحياة، في حالة الطفل الفلسطيني، فقدان الحياة نفسها. وهو ما تدركه عهد التي تقول في مقابلة إنها لا تفكر بعيداً في مستقبلها، لأنها –ببساطة- تشك في أن حياتها ستكون طويلة بما يكفي.
لكن الطفل الفلسطيني محرومٌ من البديل. إن التزامه البيت وتجنب الاشتباك –إذا تسنى أصلاً- ليس وصفة للحياة. إنه خيار يعرض له فقط حياة تشبه الموت. وينقل يوري أفنيري خبرة فلسطيني أصبح "طفل حجارة" في عمر 15 عاماً:
"مع مجموعة من الأصدقاء من نفس عمره، ذهب إلى وسط قريته حيث ينتظرهم صف من الجنود. التقط كل متظاهر حجراً –ولا عوز للحجارة في قرية فلسطينية- ورموها على الجنود. سقطت الحجارة قريبة، ولم تتسبب بأذى. ولكن –وهنا يصبح الرجل البالغ الآن مستثاراً- يا له من شعور رائع! لأول مرة في حياته شعر الصبي بأنه يرد الضربة! إنه لم يعد فلسطينياً محتقراً عاجزاً بلا حَول! لقد أصبح يصون كرامة شعبه! ربما يكون القادة الكبار خانعين! وإنما ليس هو، وليس أصدقاؤه. لأول مرة في حياته أصبح فخوراً، فخوراً بأن يكون فلسطينياً، فخوراً بأن يكون إنساناً شجاعاً".
الفخر بالجرأة على مواجهة الموت، كخيار وحيد لإمكانية الحياة، هو نفسه الذي وصفه باسم التميمي وهو يخاطب صغيرته مقيدةَ القدمين بالسلاسل في قفص المحكمة: "ابتسمي وافردي شعركِ، كوني أنتِ، فأنتِ بطلة. أنت رمز الجيل الجديد من الفلسطينيين الباحثين عن الحرية. جيلنا انتهى أمره، وأنتِ حاملة الراية".
وما أثقله من حِمل! وما أقساه من مجد معجون فقط بالمرارة والوجع. وهو مجد يجعلك تبكي فقط في أي مناسبة في الحالة الفلسطينية: عندما تشاهد هدى غالية وهي تقول في كلمة تخرجها من الجامعة: أتذكرون الطفلة التي قُتلت عائلتها على شاطئ غزة؟ أنا هي. وعندما يفوز الفريق الوطني في مباراة، وعندما ترى صورة فارس أمام الدبابة، أو شعر عهد المفرود الطليق في زنزانة الاحتلال!