أطفال في عمر الورد.. وقت الفرح يتحول إلى أوجاع

سيول أدت لانهيار جسر بالقرب من البحر الميت - (تصوير: محمد أبو غوش)
سيول أدت لانهيار جسر بالقرب من البحر الميت - (تصوير: محمد أبو غوش)

تغريد السعايدة 

عمان- أطفال بعمر الزهور تحولت رحلتهم الترفيهية إلى كارثة حقيقية، وبفقدانهم ذاق الأهالي أوجاعا لن تغادرهم العمر برمته على فلذات أكبادهم.اضافة اعلان
وما بين مشاعر الغضب والحزن والاستياء، والبحث عن الطرف المباشر المسؤول عن هذه الكارثة؛ طالب خبراء ومختصون بعد هذه الحادثة بوضع "اليد على الجرح"، والبحث عن حلول واقعية، واتباع العديد من الإجراءات الاحترازية، والتوقف عند نقاط الضعف لدى الجهات المسؤولة، ومحاسبة من لا يلتزم بالقوانين والأنظمة.
وأكد خبراء في أحاديث لـ"الغد" على أهمية وجود مراجعة شاملة للرحلات من حيث الأهداف والوقت، وتفعيل الدور الرقابي، مبينين أن كثيرا من الرحلات المدرسية في الفترة الحالية بالمدارس غير محددة بأهداف وأطر تربوية تعود بالفائدة على الطالب، وانما يسيطر عليها العشوائية في التنظيم والإدارة.
بنود الكتاب الموجه من المدرسة للأهالي للحصول على الموافقة منهم للرحلة "التعايش مع البيئة المحيطة وتحمل المسؤولية وسرعة البديهة في التعامل مع الظروف"، لكن الأطفال وجدوا أنفسهم بتجربة قاسية خطفت أرواحهم، وآخرون يعيشون تبعات صدمة تجربة لن ينسوها هم وذووهم.
ويرى الأخصائي والاستشاري التربوي الدكتور عايش النوايسة أن حادثة غرق الطلبة في الرحلة المدرسية تركت أثراً كبيراً في المجتمع الأردني بشكل عام، وأدت إلى تعزيز شرخ الثقة بين الأهالي من جهة والمدارس الخاصة من جهة أخرى، خاصة في ظل المتطلبات المالية المتكررة بجوانب مختلفة ومنها جانب الرحلات المدرسية.
ويؤكد النوايسة على أهمية وجود مراجعة شاملة لموضوع الرحلات المدرسية من حيث الأهداف والوقت، إذ تتطب الموافقات الخاصة بها من الأهالي الموافقة بأن "أي حادث يعود للقضاء والقدر وإعفاء المدرسة من أي مسؤولية قانونية".
وبحسب النوايسة، فإن هذا يضاعف العبء الاقتصادي والنفسي والذي يرتبط بطبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء، إذ أن ولي الأمر مجبر في أحيان كثيرة على الموافقة كونه لا يستطيع رفض طلب ابنه، فالرحلة المدرسية بالنسبة للطلبة فرصة جيدة يتمسكون بها، ويسعون إلى الاشتراك بها بأي طريقة.
ويعتقد النوايسة أن الحادثة عززت من صحة وجهة نظر التربويين الذين ينظرون إلى أن النهج المستخدم في الرحلات المدرسية في الفترة الحالية في المدارس كافة حكومية أو خاصة غير محدد بأهداف وأطر تربوية، وانما يسيطر عليه العشوائية في التنظيم والإدارة، ولا يوجد ما يشير إلى أثر تربوي يظهر على الطلبة.
ويناشد النوايسة الجهات المختصة بأهمية إعادة النظر بالأنظمة والتعليمات الخاصة، وتفعيل الدور الرقابي على الرحلات المدرسية، وهذا يتطلب تحديد هيئة مفتشين تتبع لوحدة المساءلة وجودة التعليم في الوزارة تناط بها مهمة التفتيش والمتابعة للمدارس الخاصـة، وتفعيل دور مديرية التعليم الخاص وأقسام التربية الخاصة في متابعة الرحلات المدرسية.
أخصائي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين خزاعي يبين أن الصدمة التي يعيشها أبناء المجتمع الأردني لفقدان عدد من الشهداء، جلهم من الأطفال، يدفع للتعلم من هذه التجربة الأليمة، سواء بالإجراءات الاحترازية من جميع الجهات المسؤولة، ومن الأهل والمدرسة ووزارة التربية، ووزارة الأشغال وغيرها من الجهات المختصة للحد من حوادث مماثلة في المستقبل.
ويضيف خزاعي أن الأطفال الناجين وذوي المفقودين والشهداء هم في أمس الحاجة للدعم، لتخفيف الألم والمُصاب، مع أهمية أن يكون هناك اعتراف من قبل الجهات المقصرة وممن لم تلتزم بالتعليمات الخاصة بشأن الرحلات المدرسية التي هي في الأساس وقت فرح ومتعة.
ويشدد خزاعي على أن المجتمع الأردني الذي عاش الصدمة إلى هذه اللحظة بحاجة لإحساس حقيقي بمحاسبة المقصرين ومتابعة للجهات المسؤولة لحماية الأبناء "مستقبلا" من أي تكرار لهذا الخطأ. كذلك الوقوف يدا واحدة لمساندة المتضررين واستقاء العبر والدروس من هذه الحادثة، وعدم الرضوخ لبعض المدارس التي تهدف للربح المادي دون مراعاة لأشياء أخرى.
وينصح الأهل بعدم الرضوخ  لإلحاح الطفل للمشاركة في أي تجمع أو رحلة في ظل ظروف جوية متقلبة، وأن يكونوا مؤثرين في المدرسة مع المعلمين، ومطلعين على كل التفاصيل.
- اضطراب ما بعد الصدمة للأطفال الناجين
وبالوقت الذي يدعو فيه خزاعي إلى أهمية أن يكون هناك علاج نفسي ما بعد وخلال الصدمة للأطفال الناجين الذين اختبروا تجربة صعبة؛ تؤكد الأخصائية النفسية المختصة بشؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان أن من أسوأ الاحتمالات أن يصيب الأطفال اضطراب ما بعد الصدمة وهو أحد الاضطرابات بعد أن يشاهدوا حادثا أمامهم أو يفقدوا عزيزا عليهم.
وفي هذا الحادث تحديدا، فإن الأطفال قد شاهدوا أمام أعينهم حالات صعبة ومشاهدات حية لأصدقاء لهم عانوا كثيرا، خلفت آثارها النفسية العميقة عليهم، وجميعهم بحاجة إلى علاج سلوكي ونفسي سواء ظهرت عليهم تلك الأعراض أو لم تظهر.
ومن أهم طرق المساعدة النفسية هي الانتباء على الأعراض مثل الشعور بالحزن على ما حدث، والاحساس بالذنب والاكتئاب والقلق والانعزال، وحدوث الكوابيس فترات النوم، وتجنب الحديث أو ركوب الحافلات، ويبقى دائما وكأنه في حالة تأهب، تمنعه من ممارسه حياته بشكل طبيعي.
العلاج، بحسب طوقان، يبدأ بالسماح للطفل بالحديث عن الحادث وتفريغ كل ما بداخله من مشاعر وأحداث، عدا عن أهمية العلاج النفسي مع معالج يتبع معه أسلوب العلاج العلمي المناسب، مثل السردي، والتفكير بطريقة أخرى عن الحادث، وجلسات علاج سلوكي إدراكي وعلاج جمعي.
والعلاج الجمعي، كما توضحه طوقان هو أن نجمع عددا كبيرا من الأطفال ونتحدث معهم بشكل جماعي وفيه نوع من التشجيع والدعم، وطرق مختلفة أخرى.
وتبين أن الأطفال الذين كانوا في الموقع يجب ان يجلسوا سوياً ويتحدثوا عن مشاعرهم وما حدث معهم، وهو نوع من العلاج، مع ضرورة تنويه الأهل إلى عدم "تحميل انفسهم أو أطفالهم الذنب فيما حدث وأن ما حدث هو أمر واقع وقضاء وقدر، وعدم إلقاء اللوم على أحد أمامهم لأن ذلك قد يزيد لديهم المشكلة والنقم على الآخرين".
ويتفق أخصائي الاجتماع في الجامعة الأردنية سري ناصر مع المختصين على أهمية الوقوف على تبعات الخطأ، واحتواء المشاعر المتضاربة للمجتمع، وايجاد مساحة تفاهم بين المدارس والمسؤولين.
ويعتقد ناصر أنه يجب ان لا نلقي اللوم على مؤسسات بأكملها، بل على أشخاص محددين هم من يقومون بعدم الالتزام بالقوانين والأنظمة، ونحاول قدر الإمكان أن نبين الدور الذي يجب أن يقوم به الإداري أو المعلم الذي يمكن أن يستشعر الخطر ويقف موقف المحذر ولا يترك الأمور دون تأثير.
وتشير المادة السادسة من تعليمات الرحلات المدرسية في وزارة التربية والتعليم للعام 2008 على أنه تُمنع الرحلات والزيارات المدرسية حفاظا على سلامة الطلبة إلى الأماكن التالية: الغابات والأحراج مدن الملاهي المجمعات التجارية وأماكن الألعاب الخطرة والسيرك والسباحة، فيما تؤكد المادة العاشرة من ذات القانون الجزء هـ منها على التقيد بخط سير الرحلة".