أطفال يرافقون الأكبر سنا بحثا عن النضج والتجارب الجديدة

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان - تغيرات كثيرة طرأت على الطفل يزن، سواء بطريقة تفكيره، لباسه، اهتماماته حتى برامج التلفاز التي يشاهدها، كل ذلك وأكثر آثار مخاوف والدته التي لم تعتد على نبرة صوته العالية في الخطاب والدور الرجولي الذي بات يمارس على إخوانه في البيت.اضافة اعلان
لم تطل حيرة الأربعينية ليالي في تصرفات ابنها، خصوصا بعد أن لاحظت تعلقه ومرافقته لمن يكبرونه عمرا من أبناء أعمامه وأصدقائه الجدد. "أنا مش صغير عشان ألعب مع الأولاد"، هكذا جاء رد يزن على والدته عندما سألته عن سبب مجالسته للكبار، معتبرا اللعب مع أقرانه مضيعة للوقت.
وفي الوقت الذي يرى محمد نفسه اصبح شابا وناضجا خلال مجالسته أبناء الحي الذي يسكنه، والذين يفوقونه عمرا، يرفض والده ذلك بشدة ويمنعه حتى من السلام عليهم أثناء المرور.
يبرر والد محمد خوفه وقلقه على ابنه الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره بقوله "لم يعد في الدنيا أمان"، خصوصا وأنه يجهل ما يدور بينهم من أحاديث، ومستغربا في الوقت ذاته مما يشد انتباهه ويزيد من اهتمامه بمرافقتهم ومجالستهم وهو ما يجعله أكثر خوفا.
ولم تمر مجالسة محمد لأبناء حارته الذين يكبرونه عمرا مرور الكرام، بالنسبة لوالده الذي سارع بفتح قنوات حوار معه وبدأ يسأله عما يدور بينهم من أحاديث وما يجذبه نحوهم، محاولا التقرب منه والاستماع إليه.
"القعدة مع الكبار أحلى وسهرات الشباب مسلية"، هكذا وصف عبدالله الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، واصفا فرحته الكبيره عندما يسمحون له بالجلوس معهم وتبادل أطراف الحديث الذي يعلق في ذهنه.
وأكثر ما يفرح عبدالله، عندما يخبرونه بأن عقله كبير ويفوق عمره ولهذه الأسباب يجالسونه، معتبرا رأيهم شهادة اعتراف بحقه بأنه أصبح كبيرا وأن أقرانه لا يلائمون عقله وتفكيره.
ويعتبر أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة علاقة الأطفال بمن يكبرونهم سنا غير مقبولة لأسباب عدة، فهي تجعل لدى الطفل أسرارا يمكن أن تستغل من قبل الكبار، فضلا عن السلوكيات التي قد يكتسبها منهم، معتبرا اياهم القدوة وتصرفاتهم دلالة على الرجولة.
ويقول مطارنة، أن يكون هناك علاقة بين الأطفال مع آخرين في سن المراهقة أو ربما يكبروهم في عدة سنوات له إسقاطات سلبية، فإذا كان من يكبره يدخن أو يمارس سلوكيات وممارسات خاطئة أويتلفظ بكلمات غير لائقة فسيقوم بتقليده.
كما يصبح طموح الطفل أن يقوم بنفس التصرفات التي يقوم بها أصدقائه الذين يكبرونهم، لذلك ينبغي الفصل بين الفئات العمرية في المدارس حتى لا يجد الطفل نفسه يتراجع سلوكيا وتربويا.
ويجد مطارنة أن هذا النوع من العلاقة قد تؤدي لتعرضه للتحرش أو الاستغلال، فضلا عن التقليد، خصوصا عندما يكون خارج إطار مراقبة الأهل.
تربية الأبناء مهمة ليست سهله بحسب خبير العلاقات الأسرية مفيد سرحان، فهي تحتاج إلى جهود الأبوين في فهم نفسية الطفل ومراحل نموه الجسمية والاجتماعية وحاجاته في كل مرحلة، وهذا لا يتأتى إلا بوعي الوالدين وإلمامهما بهذه الأمور.
ويجد عايش أن صحبة الأبناء "الرفقة"، من الأمور التي ربما لا يعطيها الأبوان الأهمية الكافية سواء من حيث نوعية الأصحاب أو من حيث العمر، رغم أن لكليهما أثرا كبيرا على سلوك الأبناء، ومن هنا يأتي دور الأبوين بضرورة معرفة صداقات أبنائهم ومع من يتحدثون أو يخرجون.
ويضيف بأن الصديق يتأثر بأخلاقيات صديقه حتى لو كان صغيرا أو ربما يكون اثر الصديق أكبر من الأسرة، لذلك يجب أن يأخذ الفارق العمري نصيبا من اهتمام الآباء، وأن يصاحب الابن من هو في سنه أو يكبره أو ينقصه بفارق بسيط حتى لا يتعلم سلوكيات ليست مناسبة له، بل ربما يتطور الأمر إلى أخطر من ذلك من حيث (التحرش) أو الاستغلال بطريقة غير صحيحة بحسب عايش.
ويمكن للآباء ملاحظة ومراقبة سلوك الأبناء ومعرفة ما يحدث عليها من تغيرات أو تطورات وفق عايش، وما إذا كانوا قد تأثروا بسلوكيات خاطئة أم لا، وليس كما يحدث عند الكثير من الأسر التي لا يعرف الآباء إلا القليل عن الأبناء بسبب الانشغال أو الإهمال أو إلقاء هذه المسؤولية على الأم فقط، خصوصا إذا كانت الأم عاملة.
وتبرر التربوية رولا خلف ميل الأبناء عموما لمرافقة من يكبرونهم عمرا إلى أنهم يبحثون عن العطف والاهتمام والاستماع والحوار والإجابات عن أسئلتهم، خصوصا عندما يفتقدون هذا الأمر داخل البيت، فنجد الأطفال يميلون للكبار الذين قد يقدمون لهم النصح الخطأ في كثير من الأحيان.
وتتابع أن السماح للأبناء بمجالسة من يكبرونهم في العمر قد يوعيهم ويفتح عيونهم على أمور ليست مناسبة لهم فتبدأ حينها المشاكل بين الأهل، مشددة على ضرورة وعي الاهل ومعرفتهم بالخلفية الفكرية والثقافية والاجتماعية لأصدقاء أبنائهم.
ويعتبر كثير من الاطفال هؤلاء الأصدقاء بمثابة نبع من المعارف والتجارب، وفق خلف التي تتفق مع من سبقها بضرورة أن تخضع صداقات الابناء لرقابة الأهل وولايتهم.