أطفال يضيعون بعالم المخدرات وقانون لا يسعف الضحايا

المركز الوطني لتأهيل المدمنين بمستشفى المركز الوطني للصحة النفسية - (الغد)
المركز الوطني لتأهيل المدمنين بمستشفى المركز الوطني للصحة النفسية - (الغد)

تحقيق: عهود محسن

عمان - "ما بنقدر نستقبله بالمركز".. خمس كلمات أوصدت أبواب الأمل بوجه أم خالد (اسم مستعار) وأسرتها بعلاج ابنها لؤي (اسم مستعار) 14 عاماً من الإدمان.

اضافة اعلان

"اتصلت بمديرية مكافحة المخدرات حتى أدخل ابني لمركز علاج الإدمان وأعالجه بدون ما يتحمل مسؤولية قانونية وما يتسجل عليه قيد، صعقت برفضهم السماح بدخوله لأنه طفل والمركز مخصص لعلاج البالغين"، تقول أم خالد بسرد معاناتها وأسرتها مع إدمان لؤي الذي تخشى ضياعه لعدم وجود مركز متخصص  لعلاج إدمان اليافعين في الأردن.

بصوت متحشرج تروي أم خالد، في تحقيق أعد لصالح "الغد"، حادثة اكتشافها إدمان ابنها: "مع بداية فترة الامتحانات المدرسية السنة الماضية بلشت أحس إنه الولد فيه إشي مو طبيعي، ما بيحب يقعد مع إخوته وأولاد عمه ويبقى لحاله بالغرفة وغالباً بيكون نايم ولما أصحيه بيرجع ينام وأكله قليل، عصبي ونرفوز، وبيوم تأخر بالرجعة على البيت دخل وصار يكسر بالعفش ويصرخ على أبوه بده فلوس، ولما سألناه ليه الفلوس فجر القنبلة بوجهنا وقال بدي أجيب جرعة رح أموت".

وتستدرك: "تركنا ودخل على غرفتنا أخد فلوس وطلع من البيت وإحنا مصدومين من اللي سمعناه!"

تضيف: "ركض أبوه وراه للشارع بس طلع بسيارة كانت تستناه وما لحقه، بعد يومين رجع على البيت وكأنه ما في إشي حاولت أتقرب منه وأحكي معه، أنكر كل اللي حصل وقلي إنه كان مجرب يدخن سيجارة حشيش مثل الشباب ووضعه هلأ منيح وما في إشي".

"حاولنا أنا وأبوه نتقرب منه ونعرف إيش اللي صار معه لكن بلا فايدة. أنكر كل إشي"

تكمل "في يوم لقيت "سرنجات" وحقن مفتوحة وملفوفة بالشرشف بغرفته، واجهته بالحقيقة وهددته أني رح أبلغ عنه الشرطة وإنه لازم يحكيلي كيف ومن وين بيجيبهم".

وتنهي قصتها بأنه وبعد مواجهتها له وإنكاره لم تجد سبيلاً أمامها سوى الاتصال بمديرية مكافحة المخدرات: "اتصلت بالمكافحة وأنا اللي ما اتخيلت أعرف عنها إشي بحياتي وسألتهم عن إمكانية علاجه لأنه طفل مراهق فكانت الصدمة بعدم إمكانية علاجه بمركزهم وإنه ممكن أبلغ عنه بوزارة التنمية باعتباره حدثا وأكدوا لي أنه ما في مركز متخصص لعلاج إدمان المراهقين".

واقع مؤلم


واقع أليم للخدمات المقدمة لمتعاطي المخدرات البالغين واليافعين.. يقول خبير حقوق الطفل والوقاية من العنف مستشار الطب الشرعي د. هاني جهشان، نظراً للنقص الحاد بعدد الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين بمجال الصحة النفسية بشكل عام، والغياب شبه التام للمختصين بالتعامل مع الأطفال الذين يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية والمراهقين المدمنين.

ويرى جهشان أن "التراخي بعلاج اليافعين انتهاك صارخ لحقهم بالحياة والصحة"، ويربط التقصير بتقديم هذه الخدمات بعدم إدماجها بالخدمات الصحية الأولية وبالخدمات الاجتماعية.

يقول "أغلب المدمنين الكبار أقروا بالدراسات أن بداية تعاطيهم للمخدرات كانت بعمر المراهقة، وعليه فهناك أهمية كبرى لعلاج إدمان المراهقين من منظور الصحة العامة الوقائي".

ويشير جهشان لعواقب تعاطي اليافعين والمراهقين للمخدرات على الصعيدين الصحي والنفسي والعقلي والإخفاق المدرسي والاجتماعي.

يخلص جهشان إلى أن عدم توفير العلاج "يفاقم العواقب بشدة وتصبح مزمنة ترافق المراهق طوال حياته". 

ويؤكد أن الحكومة مسؤولة مباشرة عن الوقاية للأطفال من الإدمان وعلاجهم وتأهيل الضحايا اجتماعيا ونفسياً

التعامل ضمن القانون


لا بد من تطبيق القانون بتعامل مديرية الأمن العام مع متعاطي المخدرات صغاراً كانوا أم كبارا.. هذا ما يؤكده مدير مديرية مكافحة المخدرات العميد أنور الطراونة، الذي يشير الى ان "تعامل المديرية مع حالات تعاطي المخدرات لمختلف الفئات العمرية ومنها الأطفال تتم ضمن القانون، فيتم تحويل هؤلاء المتقدمين للعلاج للمركز الوطني لعلاج الإدمان التابع لوزارة الصحة للإشراف عليهم طبياً، لعدم إمكانية استقبالهم بمركز علاج الإدمان التابع للأمن العام لاقتصار العلاج فيه على البالغين".

وفيما يتعلق بحالات إلقاء القبض على الأطفال متعاطي المخدرات "فيتم توديعهم للقضاء لاتخاذ الإجراء القانوني المناسب بحسب القانون" يقول الطراونة، الذي يوضح أن "الطفل في هذه الحالة لا يستفيد من الأعذار المخففة كونه لم يتقدم للعلاج من تلقاء نفسه أو بواسطة ذويه وإنما تم ضبطه، وفي هذه الحالة يعتبر في حالة نزاع مع القانون كحدث".

تنص المادة 9 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية على أنه "لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، إذا تقدم قبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد أقربائه للمراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالبا معالجته".

وحول ضمانات تلقي هذا الطفل أو الحدث للعلاج خلال مرحلة التوقيف أو الحبس قال الطراونة: "تنتهي مهمتنا بعد تحويل الحدث للقضاء حيث يتم توقيفه أو حكمه من قبل القضاء بأحد مراكز رعاية الأحداث التابعة لوزارة التنمية". وأضاف "فيما يتعلق بالرعاية وبرامج العلاج والتأهيل تقدم عن طريقهم وحسب القوانين المعمول بها لديهم".

وبسؤاله عن أعداد الأطفال المتقدمين للعلاج طوعاً، أكد الطراونة أن الأرقام والإحصائيات وطبيعة الحالات موجودة لدى المركز الوطني لعلاج الإدمان التابع لوزارة الصحة، كون علاج الأطفال من خلال الجلسات السلوكية ضمن مهامهم.

قصور قانوني


هناك حاجة ملحة يفرضها علينا القصور القانوني بتطبيق قانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014 المعمول به لإيجاد قانون مختص بالطفل، وليس فقط الحدث وفقاً للمحامية المختصصة بقضايا الأحداث بمركز العدل إلهام أبو لبدة  لشمول جميع الأطفال بمراحل الطفولة المتعددة، سواء خالفوا القانون أم لا، بالعلاج من الإدمان.

ويُعرف الطفل الحدث وفقاً لقانون الأحداث بأنة الطفل الذي دخل في نزاع مع القانون في الفئة العمرية من 12-18 سنة أو الطفل المحتاج للرعاية والحماية من لحظة الولادة وحتى عمر 18سنة.

توضح ابو لبدة: "هنا تكمن المشكلة حيث أن الأطفال المشمولين بهذا القانون هم فئة محددة لهم ظروف خاصة ترتبط بعلاقة مباشرة مع القانون ولا تعمم على بقية الأطفال على الرغم من امكانية احتياج أي طفل بأي مرحلة عمرية للعلاج من الإدمان باعتباره حالة مرضية تحتاج لرعاية صحية كجزء من حقوق الطفل على الدولة".

وتشكك ابو لبدة بنجاعة الخطوات العلاجية المعمول بها مع الأطفال أو الأحداث بالمركز الوطني لعلاج الإدمان لعدم وجود قسم مختص بعلاجهم أو كوادر طبية مؤهلة لهذه الفئة.

وتجد أبو لبدة أن الحاجة لتشريع قانوني خاص بالطفل أصبح أمراً ملحاً لضمان إلزامية تقديم برنامج علاجي شامل  لتعاطي المخدرات بين الأطفال والأحداث.

وتلفت أبو لبدة إلى أن التطبيق العملي والتعامل الفعلي مع هذه القضايا والمحاولات المتكررة أمام المحاكم والمدعين العامين لإحالة الأحداث للعلاج من الإدمان تبوء بالفشل لعدم وجود مراكز متخصصة لعلاجهم كونهم دون سن 18، وبعد توقيفهم أو الحكم عليهم يتم تحويلهم من خلال دور التربية والتأهيل للمركز الوطني للصحة النفسية الذي يقوم بالكشف على هذه الحالات دون وجود علاج حقيقي للإدمان او التأهيل".

محفزات التعاطي والإدمان 

الاضطراب الشخصي أكثر محفزات الإدمان، حسبما يرى مدير المركز الوطني لعلاج الإدمان التابع لوزارة الصحة د. جمال العناني.

والمركز الوطني للصحة النفسية والمركز الوطني لتأهيل المدمنين، التابعان لوزارة الصحة، لا يقدمان أي خدمات رعاية داخليه للأطفال واليافعين، الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو سلوك إدماني.

ويؤكد العناني أن من الضروري الإسراع بإيجاد مركز مختص بعلاج الإدمان لليافعين لإبقاء الأمور ضمن حدود السيطرة فالاضطرابات المسلكية، بما فيها الادمان عند القاصرين، اصعب منها عند البالغين، ومن الأهمية بمكان معالجتها حتى لا يكون لها انعكاسات على مستقبل الحدث.  ويجد أن غياب الخدمات الصحية للفئات العمرية من 12 إلى 18 عاماً يشكل تحدياً للقائمين على برامج الرعاية الصحية والنفسية والحقوقيين وتهديداً صارخاً للأمن الاجتماعي.

حرصاً على تقديم أفضل الخدمات للمراهقين واليافعين دون سن 18 عاماً يجب - بحسب العناني - إيجاد المركز على أن تتوفر فية الكوادر الطبية المتخصصة من اختصاص أمراض نفسية تخصص أطفال، أخصائي علم نفس سريري، تمريض نفسي تخصصي للأطفال مع ضرورة تفعيل قانون سلوك الأحداث، والذي يمنع بيع المواد العقلية المؤثرة لهذه الفئة وعدم استخدامهم كناقلين لها.

يرفض العناني وصم فئة أو طبقة اجتماعية دون أخرى بأنها الأكثر استهدافاً بتعاطي وإدمان المواد المخدرة، مؤكداً أن جميع الطبقات معرضة لخطر هذه الآفة، لافتاً لأهمية تحصين المجتمع والتركيز على المهارات الحياتية للأبناء وتثقيف الأقران.

وعلل عدم وجود نسب أو احصائيات محددة لدى المركز لأعداد  القاصرين الذين يتلقون العلاج في المركز بكون الاحصائيات غير ممثلة لعدم مراجعة الكثير من المتعاطين والمدمنين، خصوصاً من النساء والأطفال، خوفاً من النظرة الاجتماعية.

واختتم حديثه بالتشديد على أن المركز يستقبل القاصرين كمرضى خارجيين فقط، في حين لا يقدم خدمات الإقامة الداخلية لهم، وإن المركز يقدم خدماته مجاناً لكل أردني وبسرية تامة.

القصة أكبر من تعاط وإدمان

القصة أكبر من مجرد حالة تعاطي مخدرات أو إدمان لطفل أو حدث كما تراها الأخصائية النفسية عفيفة الشافعي، التي تؤكد أن بقاء هؤلاء الأطفال والمراهقين في المجتمع دون رعاية نفسية وصحية وعقلية ملائمة سيحيلهم لقنابل موقوتة تهدد أمنه.

وتشدد على أن من يراجعون عيادات الرعاية النفسية والإدمان لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من مجمل حالات التعاطي للعقاقير والمهلوسات، وحتى المخدرات، فتكلفة هذه العيادات مرتفعة نسبياً، كما أن أغلبها يتمركز بمناطق محددة خصوصاً في عمان ما يضعف أثرها الفعلي.

وترى الشافعي أنه وبدلاً من الاستمرار بالحديث عن عدم انتشار الظاهرة، يجب المباشرة بإيجاد برنامج وقائي صحي نفسي ديني شامل، بتعاون مختلف الأطراف، للتوعية بمخاطر المخدرات، بالتوازي مع برنامج آخر علاجي لمساعدة الضحايا وذويهم.

ولا تجد الشافعي بديلاً عن إيجاد مركز متخصص لعلاج الأطفال مدمني المخدرات ضمن برامج طبية ونفسية وسلوكية لتطويق الظاهرة والحد من انتشارها، نظرا لضعف الرقابة القانونية والتربوية وانتشار المخدرات بأنواعها المختلفة بأسعار زهيدة.

اعتراف بوجود المشكلة

تقر وزارة التنمية الاجتماعية بوجود مشكلة بالتعامل مع هذه الفئة، وتؤكد انه "ليس من الطبيعي تجاهل وجودهم ضمن المجتمع"، وتشير الى انها تعمل على تنفيذ العديد من جلسات التوعية المجتمعية للآباء والأمهات والأهالي بمختلف مناطق المملكة للتعريف بمخاطر المخدرات والارشاد بكيفية الاستدلال والكشف المبكر عن أبنائهم بحال تورطهم بالتعاطي للمواد الخطرة.

تقدر احصائيات الوزارة  العدد السنوي للاحداث الداخلين لدور الرعاية والتأهيل التابعة لها  بنحو 300 حدث، يتم إدخالهم بموجب حكم قضائي لغايات تقديم الرعاية والخدمة الاجتماعية لهم كونهم من الفئات العمرية التي تقل اعمارها عن 18 سنة.

وعلى الرغم من إعلان الوزارة عن تضمين خطتها لإصلاح قطاع الرعاية الاجتماعية منذ 2012، التوجه لإنشاء دار رعاية علاجية متخصصة للأحداث الذين يعانون من مشاكل نفسية وسلوكية، فانه لغاية الآن لم يتم انشاء هذه الدار، وقد ولجأت إلى توقيع اتفاقيتين مع الخدمات الطبية الملكية ومستشفى الرشيد للصحة النفسية لتوفير الخدمات العلاجية للأطفال، الذين يعانون من اضطرابات نفسية وسلوك إدماني.

وتعمل الوزارة – كما تقول- مع جميع الجهات المعنية للقضاء على هذه الظاهرة، باتباع النهج الوقائي من خلال جلسات التوعية والمحاضرات التثقيفية. وتقول انها تقدم الخدمات المختلفة للأحداث المحكومين قضائياً بقضايا المخدرات، من تأهيل نفسي واجتماعي ونشاطات لا منهجية وبرامج لتعديل السلوك وذلك خلال فترة تواجدهم بمراكز رعاية الأحداث.  وتلفت إلى أن الاحداث بمراكز الرعاية يخضعون للعلاج من الادمان بمنهجية تسمح لهم وتساعدهم على التخلي عنها، وتجاوز هذه المرحلة وعدم عودتهم في الأغلب للتعاطي.

آخر الأرقام والدراسات

أرقام وسجلات مديرية مكافحة المخدرات تشير إلى منحى تصاعدي بأعداد قضايا الأحداث، ففي العام 2014 بلغ العدد 135 حدثا، ليرتفع إلى 235 العام 2015، وأما العام 2016 فبلغ نحو 255 حدثاً. ويوالي العدد الارتفاع ليصل لـ 327 حدثا مع نهاية العام 2017 .