أعداء الإنسانية المتسترون بحمايتها

7 آلاف سكرتيرة يعملن من غير ضمان اجتماعي؛ 15 % نسبة النساء في القطاع الخاص! من هم أرباب العمل هؤلاء الذين يمارسون هذا التمييز ضد المرأة؟ بالتأكيد إنهم ليسوا ذوي الأفكار والاتجاهات العشائرية والسلفية، ولكنهم أصحاب مهن "نبيلة"، ومكاتب وأعمال ممتدة في المراكز التجارية والمؤسسات والأسواق، يبدون ليبراليين وتقدميين، ودرسوا في الجامعات.. ويرطنون بالإنجليزية!اضافة اعلان
لا أحب أبدا أن أكون في خانة المدافع عن الإسلاميين والعشائريين، ولكن يجب أن نحدد من الملوم حتى لا نبرئ خطاة وجناة آخرين. هناك مسؤولية كبرى علينا، نحن الأفراد والمجتمعات، أن نعرف ماذا نريد، وأن نتمسك بالحريات والكرامة والعدالة ولا نساوم عليها أبدا. وفي تلك الحالة فقط، سوف تتنافس جميع النخب والجماعات السياسية على اكتساب ثقة المجتمعات والناس. البرامج والأفكار هي مسؤوليتنا نحن المجتمعات والطبقات الوسطى، وليست مسؤولية الجماعات الدينية والسياسية، ولا الأنظمة السياسية.
المثقفون والنشطاء والكتّاب الذين ينتقدون الإسلاميين على ضحالة أفكارهم، وغيبوبة برامجهم عن الواقع والأولويات، ويحملونهم مسؤولية التخلف والفشل في التعليم والاقتصاد والتنمية، هم من الناحية العملية يتسترون على المخطئ والجاني الحقيقي الذي لم ينشئ وعيا مجتمعيا متقدما وراقيا تسعى الجماعات والنخب إلى تحقيقه.
هناك رعاية مؤسسية ونخبوية علمانية للتخلف، وعمليات واعية لإنتاج التخلف والجهل. تغييب الفلسفة والفنون والثقافة والموسيقى والإبداع عن التعليم، هي مسؤولية قيادات تعليمية وسياسية تبدو متحمسة للتحديث والليبرالية، ولكنها محكومة بالعداء والاستعلاء على المجتمعات والطبقات الوسطى. وهناك إدارة للجهل والإفقار والحرمان تقوم به، بتخطيط، نخب سياسية واقتصادية واجتماعية مدفوعة. وهناك فساد بنيوي مبرمج محمي بشراسة ومنهجية، وسياسات للمماطلة وتضييع الوقت وتشتيت الناس والمجتمعات عن الإصلاح والوعي، واستعداد للإنفاق والعمل على مواجهة العمل والفكر الإصلاحيين. ولو أنفق على الإصلاح والتنمية ما أنفق على الفشل، لكنا في أحسن حال.
هناك استغلال بشع وانتهاك عميق للقوانين وحقوق الإنسان والأجور والسلامة والجودة، وتمييز ضد النساء واتجار بالبشر، تمارسه مؤسسات اقتصادية وشركات يقودها ويملكها ليبراليون وعلمانيون، ودعاة حرية ومساواة، وخريجو جامعات غربية، ومنتمون لطبقات وفئات أمضت سلسلة أجيال في القيادة السياسية والبيروقراطية والأعمال الاقتصادية المرتبطة بالدولة والأسواق الحليفة لها.
هناك رغبة عميقة في التخلف، ومقاومة أيديولوجية شرسة للتنمية، تقوم عليها نخب وقيادات تبدو مؤمنة بالحريات والعلم والتنمية، ولكنها لا تراها تليق بالناس والمجتمعات! هناك حرب على المجتمعات، وإذا لم نفهم معركة الإصلاح بأنها معركة بين المجتمعات والطبقات الوسطى وبين تحالف مقابل من النفوذ والمال، فإننا نضيع الوقت.

[email protected]