أعرفُ ماذا تريدُ النساء!

غريبٌ أمرُ الرِّجال؛ يُبالغونَ في تكثيف العتمة على سرِّ المرأة، ولا يتردَّدُ بعضهم عن القسم إنَّ الخروج بقلب معافى من عالم إحداهنَّ يفضي إلى ناصية الكون؛ لكنهم أبدا لا يستسلمون لخدر لذَة النوم على هزيمة!

اضافة اعلان

كلُّ مجالسهم لها نقطة مركزية واحدة: امرأة مستعصية على الفهم، تثرثرُ كثيرا، تقنعُ ألف رجل بحبِّها، وتتركُ جميع الأبواب المؤدية إليها مفتوحة.. وحين يظنُّ السائرُ في دربها أنه بلغ النهاية، يصادِفه منعطف يقود إلى طريق جديد قد ينتهي عند قدميها!

لا يكفون عن الحديث في أسرار النساء، وتخمين ماذا يردن، وما الذي يجعلهن ضاحكات أو باكيات، صاخبات أو هادئات؟ بصيغة أخرى يتساءلون: هل تقولُ المرأة كلَّ ما لديها، وترمي كلَّ أوراقها على طاولة رجل يُحسنُ فكَّ رموز الحبر السري؟!

لكنهم لا يستسلمون لبياض التساؤلات؛ فكلُّ علامة استفهام تتبعُها إجابة قاطعة يعتقدُ أيُّ رجل يطرحها أنه يعرف مغزى كلِّ خط في خريطة المرأة النفسية، ويوهمُ من يسمعه أنه بحاجة إلى بضعة أيام حتى يدخل فاتحا آخر زقاق في الإكوادور!

جاري الذي يكبرني بسنين كثيرة، قال لي، على سبيل الحكمة:"لا تنتظر انبهار المرأة إنْ قلتَ لها شعرا. قد توحي لك بذلك لكنها أبدا لن تصدقك إلا إذا توقفتَ للحظة عن القراءة واستدرْتَ لتداري دمعكَ"!. هَرَشَ رأسه البيضاء، وأضاف كلاما زائدا يدعوني للإدراك جيدا أنَّ المرأة التي تقرُّ بفصاحة الرجل عليها ليس لها وجود إلا في أغنية نجاة الصغيرة!

صديقي الذي يكبرني بسنين قليلة هبَّ صارخا في وجهي حين أخبرته أنني على وشك أن أهزمَ امرأتي. حذرني:"إياكَ وغضبها ستكون محاولتك التفاهم معها كأنك تقلب ورق الصحيفة أثناء عاصفة". افتعلَ هيئة العليم وشبَّهَ المرأة بالوردة تستدرجُ الرجل بأريجها لتلسعه بأشواكها؛ وخاطبني: "هكذا يقول الفلاسفة فهل تفهم أكثر من أرسطو"؟!

شاب في مثل سنّي لم "يتفلسف"؛ فقط نصحني بمشاهدة فيلم "What Women Want". وشاهدته كثيرا؛ فأبهرني "ميل جيبسون"، الذي كان في البداية غشيما مثلي، ثمَّ قاد كلَّ النساء، حتى المديرة الحازمة، إلى حيثُ يشتهي، عندما راح يستمعُ، في الخيال السينمائي فحسب، إلى الحوار الداخلي لكل امرأة يصادفها قبل أن تنطق به.

صرتُ أحلمُ امتلاك موهبة "ميل جيبسون"؛ لأنني وصلتُ إلى قناعة أنَّ الإصغاءَ بدقة إلى أفكار النساء الطريقة الوحيدة لفهمهنَّ، مع إهمال النصائح غير السديدة لجاري العجوز وصديقي الكهل وكلِّ رفاقي من أحفاد عمر بن أبي ربيعة. وكنتُ على ثقة بأنَّ القراءة المسبقة لأفكارهنَّ تعني أنْ أحتوي الكرة الأرضية، بكامل استدارتها، بكفي الرقيقة الأصابع!

لكن "ميل جيبسون" في المحصلة ابن آدم الذي خرج من الجنة طائعا من أجل قضمة تفاحة؛ وهكذا اعترفَ أنَّ كلَّ ما حققه من نجاح يعود فضله لمديرته، التي لم تعد صارمة، ولم ينسبْ لنفسه سوى حُسْن الإصغاء لأفكارها!

أودُّ خوض تجربة أخيرة، لأثبتَ لكلِّ الرجال قدرتي على معرفة ما تريده النساء. فقلت لأجرِّب حبا جديدا.

حدث ذلك سريعا، ودخلتُ علاقة أخرى، حدثتْ فيها أشياءٌ شديدة العادية من تلك التي تحصل عادة بين رجل وامرأة وتقودُ مبكرا إلى "أبغض الحلال"؛ لكنني خرجتُ منها مبهورا بحكمتي أنَّ المرأة تريدُ من الرجل إدراكَ شيء واحد؛ ألا يعرفَ ماذا تريد!!

[email protected]