أعمال الشغب لا تحدث بلا سبب

أعمال الشغب في منطقة هاندزوورث في برمنغهام البريطانية في العام 1985 - (أرشيفية)
أعمال الشغب في منطقة هاندزوورث في برمنغهام البريطانية في العام 1985 - (أرشيفية)

كيران كونيل - (الغارديان) 10/8/2011
ترجمة عبد الرحمن الحسيني
أعادت أعمال الشغب المتواصلة إلى الذاكرة ذكريات الاضطرابات التي عصفت بالعديد من مناطق المدن الداخلية في إنجلترا خلال ثمانينيات القرن الماضي. ويحسن أولئك الذين يقودون المشاجرات والتحقيقات صنعاً إن هم وضعوا في مخيلتهم واحداً من الدروس الرئيسية المستقاة في ذلك الوقت؛ أي عندما انهارت الثقة تماماً تقريباً بين مجتمعات السود والشرطة. وفي الحقيقة، كان في الغالب المسبب في الاضطرابات، في أعوام الثمانينيات، حادث معين بين مواطن محلي والشرطة.اضافة اعلان
• بدأت أول أعمال الشغب في بريكستون في العام 1981 في أعقاب تعرض رجل أسود محلي للطعن، لكنه تم الشعور بأنه لم يتلق رعاية طبية مناسبة لأنه اقتيد إلى الاحتجاز على يد الشرطة. وقد جرح نحو 300 ضابط شرطة و60 مدنياً بسبب الاضطرابات التي اندلعت في أعقاب الحادث.
• وبعد أربعة أعوام، وفي المنطقة نفسها، جرح 43 مدنياً و10 من ضباط الشرطة في قلاقل أعقبت إطلاق النار على شيري غروس، بينما كانت الشرطة تفتش منزلها بحثاً عن مسروقات. وكانت غروس قد أصيبت بطلقات نارية وهي في فراشها فيما يبدو، بدون أن تتلقى تحذيراً، مما تسبب في إصابتها بالشلل في الجزء السفلي من جسدها.
• وبعد أيام وحسب، وفي عزبة الإسكان التابعة لمزرعة برودووتر في توتنهام، انهارت سينثيا غاريت -التي كانت مثل غروس، أماً سوداء- وماتت بسبب جلطة دماغية بعد دهم أربعة ضباط شرطة لمنزلها. وفي القلاقل التي تبعت ذلك، جرح نحو 250 شرطياً.
• ولا بد أن تكون الحوادث التي أفضت إلى القلاقل في كل واحدة من هذه الأمثلة حوادث مأساوية ومزعجة على نحو معمق في أي سياق وقعت. لكن، وفي السياقات الخاصة ببريكستون وتوتنهام ومناطق المدن الداخلية التي يوجد فيها سكان سود بأعداد ضخمة في الثمانينيات، نظر إلى هذه الحوادث على أنها القشة النهائية في العلاقة بين الشرطة والمجتمعات السوداء. وهي علاقة تميزت بأنها كانت تتسم بالامتعاض المتبادل وعدم الثقة بشكل معمق. وكان من الممكن أن يكون أي عدد من الحوادث مدعاة لأن يكون الشرارة التي أوقدت فتيل القلاقل.
• في توكستث في ليفربول، على سبيل المثال، اندلعت أعمال العنف في العام 1981، بعد أن تعقبت الشرطة رجلاً شكت، خطأً، بأنه سرق دراجة نارية. ثم اعتقلت طالباً في الجوار بتهمة التهجم عندما حاول التدخل. وأفضت القلاقل في حينها إلى جرح نحو 450 ضابط شرطة، فضلاً عن هدم 70 بناية.
• وبعد أربعة أعوام في هاندزوورث في بيرمنغهام، تسبب اعتقال مواطن محلي بسبب ارتكابه مخالفة مرورية في يومين من الاضطرابات، ما تسبب في 122 إصابة ووفاة اثنين من المدنيين الأبرياء.
بشكل ما، لم يكن الأمر المهم هو الشرارة الأولى، رغم مأساويتها أو تفاهتها الواضحة. لكننا نجد العقاقة بين الشرطة والشباب السود في هذه المناطق على نحو خاص، قد تمددت إلى حد نقطة الانكسار.
وفي العام 1978، كلفت مجموعة مجتمعية محلية سائق حافلة بالتجول في أرجاء هاندزوورث ومقابلة أعضاء من جماعة السود لمعرفة حقيقة مشاعرهم حيال رجال الشرطة. وكانت نتائج المسح مخيفة ومرعبة، إذ تحدث المستجيبون للدراسة عن أن الشرطة تعامل السود "وكأننا ما نزال عبيداً"، حيث كانوا "يدفعون الناس من حولهم ويعاملونهم وكأنهم قاذورات". وفي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، شعر الشباب السود على وجه خاص بأنهم ضحايا تطبيق قانون "sus" الذي خول ضباط الشرطة بتوقيف وتفتيش العامة، حتى ولو كانت الشرطة لا تمتلك حجة دامغة على ارتكاب جريمة ما. وفي بريكستون في العام 1981، قبل أيام قليلة من تفجر أعمال الشغب، شنت الشرطة ما يدعى الآن "عملية المستنقع" الشائنة. وهي خطة سيئة الصيت كانت ترمي إلى خفض معدلات الجريمة في المنطقة من خلال "اجتياح" المنطقة برجال الشرطة واعتقال آلاف الأشخاص. ورعت الحكومة الإبلاغ عما حدث في بريكستون من تنفيذ لورد سكارمان، ما دفع إلى تغيير في التشديد من جانب الشرطة، لكن استهلال عملية "الرقابة الشرطية على المجتمع" جعلت المجتمعات المحلية عموماً تحس بأنها تتعرض لمزيد من التدقيق، وبأنها تتعرض للتجسس عليها.
ورغم الصخب الذي حمل لواءه الساسة والإعلام والشرطة على حد سواء لوسم ما حدث هذا الأسبوع على أنه لا يعدو كونه تصرفات "أشرار أغبياء"، فإن من الجدير الإشارة إلى أنه على المرء أن يضع في البال حقيقة أن أعمال الشغب لا تحدث بدون مسبب. ولعل الفقدان المأساوي لحياة مارك دوغان يتطلب تحقيقاً كاملاً ومستوفى من جانب الشرطة الحضرية، لكن الهدف يجب أن يكون في الأسابيع المقبلة هو سبر غور ما وراء الشرارة الأولى، ومعرفة الطرق التي يمكن من خلالها رأب الصدع.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Riots don't happen without a reason

[email protected]