أفراد الأسرة: غرباء تحت سقف واحد

على أفراد الأسرة ألا يكونوا متباعدين وهم تحت سقف واحد لما لذلك من آثار سلبية اجتماعيا ونفسيا - (أرشيفية)
على أفراد الأسرة ألا يكونوا متباعدين وهم تحت سقف واحد لما لذلك من آثار سلبية اجتماعيا ونفسيا - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- يتغيب والد الفتى علي حمدان عن المنزل لظروف عمله التجاري، فهو إما مشغول بالاتصالات والاجتماعات، وإما مسافر لعقد الصفقات التجارية، وكذلك الحال لوالدته التي تقضي وقتا طويلا في عملها، وما تبقى منه مخصص لاهتماماتها وصديقاتها.اضافة اعلان
يقول، طالب الثانوية، حمدان "نعيش تحت سقف واحد يجمع أبا وأما وأربعة أشقاء، ترتيبي الثالث بينهم، لا يعلم أحدنا شيئا عن الآخر، وأحاول أحيانا التحدث مع والدي أو والدتي ليقطع رنين الهاتف المحمول الحديث، الوقت القصير الذي أحاول أن حفظ فيه بعضا من ملامح أحدهم".
ويضيف "أفتقد عائلتي كلما شاهدت مشهدا تلفزيونيا يعانق فيه أب أبناءه أو عندما تدور أحاديث أصدقائي في المدرسة عن الوقت الذي أمضوه مع أسرتهم للتنزه أو لمشاهدة المباريات أو لتناول الطعام معا، وما يجعلني أشعر أنني يتيم رغم وجود والدي عندما يقوم بمناداتنا آخر كل شهر ليقدم لنا المصروف الشهري أو يتركه على مكاتبنا، وكأنه واجب فقط".
الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وبصلاح الأسرة يصلح المجتمع، ولذلك لا بد من الاهتمام بالأسرة، وهذا الاهتمام يبدأ من مرحلة قبل الزواج، أي من اختيار كلا الزوجين للآخر، والأمر الثاني أن يحسن الزوجان التعامل فيما بينهما، ويكونا على إدراك أن هدف الزواج بناء أسرة قوية متماسكة تتصف بالمحبة والمودة والرحمة بين أعضائها، وأن الحوار والتواصل هو السبيل لحل المشكلات والخلافات.
استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان يقول "لا شك أن هنالك مؤثرات على الأسرة، ومنها انشغال الأزواج بأعباء الحياة المادية والعمل لساعات طويلة ومنها التأثر السلبي بوسائل الإعلام والاتصال، التي أصبحت تأخذ وقتا طويلا من أفراد الأسرة، حتى أصبح أن الأسرة متباعدة وهي تحت سقف واحد".
ويضيف: لأن كلا من أفرادها مشغول بما يخصه دون أن يكون على تواصل شخصي مع من هم أقرب الناس إليه وهم أفراد الأسرة، ما أدى إلى كثير من المشكلات الاجتماعية والأسرية، ومنها زيادة الفجوة بين أفراد الأسرة وضعف التواصل وثقافة الحوار وجنوح الأبناء مما أثر سلبا على صورة الأسرة ورسالتها، ومسؤولية المحافظة على تماسك الأسرة هي مسؤولية الجميع الزوج والزوجة والأبناء، والأصل أن تكون هناك جلسات أسرية منظمة أو منتظمة خصوصا في ظل الانشغالات الكثيرة.
فليس أقل من أن تجلس الأسرة معا لساعات في أيام الجمع والعطل لتتبادل الحديث حول قضايا الأسرة ومشكلاتها وفق سرحان، فليس من المعقول أو المقبول أن يكون أفراد الأسرة على تواصل مع الآخرين بينما هذا التواصل منقطع بين أفرادها، وهذا التقدم الكبير في وسائل الاتصال والتواصل يجب أن نستفيد منه إيجابيا لتعزيز العلاقات لا إلى إضعافها، وكما هو معروف فإن التواصل الشخصي هو أقوى وسائل التواصل.
ربة المنزل فردوس نعيم، تركت وظيفتها للتفرغ إلى أعمالها المنزلية، وترى أن البيت بالنسبة لزوجها فندق يتناول فيه الطعام ويستبدل ملابسه ليعاود الخروج بعدها، غير مبال بالأشياء الأخرى التي تتطلب وجوده واستشارته.
تصف زوجها بالضيف أو الزائر، فقد وصل به الأمر أن يسألها عن المراحل الدراسية التي وصلها ابناؤه، وتقول بمرارة "لا أجيد التعامل معه ولا يمكن أن أتحدث معه بهذا الأمر لأنه عصبي جدا، اكتفي بما يوفره لي من احتياجات البيت فقط".
وتتابع "لا يقتصر الأمر على زوجي فقط، فكل واحد من أبنائي منشغل بنفسه، حياته إما لأصدقائه أو على الإنترنت، حتى إنهم يتناولون طعامهم برفقة الأصدقاء، فلا أذكر أننا اجتمعنا على مائدة واحدة منذ حين، حتى في الشهر الفضيل لا أذكر أن تناولنا طعام الإفطار معا كباقي الأسر".
وتؤكد الطالبة الجامعية نوف مرزوق أن الأعذار التي يتعلل بها الوالدان لتبرير غيابهما عن البيت سواء بدواعي العمل أو لقضاء الوقت مع الأصدقاء يعد بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" لتتسع بعدها فجوة الغياب إلى أقصى مداها، وليضيع في مداراتها الأبناء في صورة مشاكل يصعب حلها أحيانا.
وتقول "عندما أجتمع وصديقاتي تسيطر على أحاديثنا معاناة غياب آبائنا وأمهاتنا عن محيد حياتنا بسبب ظروف العمل أو لانشغالهم مع أصدقائهم والحقيقة أنها معاناة مؤلمة تسببت في غياب الرابط الأسري في بيوتنا، وأصبحت صلة الصداقة بيننا كزميلات أقوى من علاقتنا بأخواتنا".
وتضيف "إن أسباب غيابهم مهما كانت غير مبررة، فالمال لن يعوض غيابهم، والوقت الذي يقضونه خارج المنزل نحن في أمس الحاجة إليه، والذي قد يدفع للبحث عن بدائل أخرى مع أشخاص آخرين لأننا في حاجة لمن يسمعنا".
من جهته يبين الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد أن التفكك الأسري مشكلة ومأساة كبيرة جدا تعاني منها كل المجتمعات، وكلما زادت وسائل التكنولوجيا الحديثة وتطورت بعد أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم بعضا، فتحدث بينهم فجوة كبيرة ما يؤدي إلى عدم وجود الدفء والترابط في الأسرة.
يقول "نرى في معظم الأحيان أنه كلما ارتقت بعض الأسر في مكانتهم العلمية والعملية انشغل الآباء والأمهات عن أبنائهم بأعمالهم خارج المنزل، ولا يجلسون مع أبنائهم وهذا بالطبع يؤدي إلى حدوث تأثيرات سيئة على حالة الأبناء النفسية".
ويضيف "وحينما تزداد الخلافات بين الزوجين وتصل إلى طريق مسدود ويشعر الطرفان أن هناك حاجزا نفسيا تصعب إزالته، تبدأ مرحلة أخرى من الحياة الأسرية تتحول تدريجيا إلى بغض ثم هجر، ولا يكتفي الطرفان بهذا البعد بل يتجاوزان أحيانا كل الحدود المألوفة ويبتعدان عن بعضهما البعض كليا، مما يزيد المشكلة ويفاقمها وينعكس ذلك على الأبناء".

[email protected]