أفضليات اللاسامية

هآرتس

راز سيغل وعاموس غولدبرغ  15/8/2018

قرار حزب العمال البريطاني، برئاسة جيرمي كوربن، رفض جزء من الامثلة التي ترافق تعريف مفهوم "اللاسامية" كما صاغها التحالف الدولي لتخليد الكارثة "آي.اتش.آر.ايه"، أثار ردودا صاخبة. هذا التحالف هو التحالف الدولي المركزي في العالم اليوم الذي ينشغل بتخليد ذكرى الكارثة، والتعريف الذي صاغه هو نتيجة نقاش اجراه في أيار 2016 في بوخارست في رومانيا. 

اضافة اعلان

تعريف ظاهرة تاريخية مهمة هو دائما اشكالي جدا. لهذا السبب يختلف حتى الآن مؤرخون ومفكرون بشأن تعريف مفهوم "اللاسامية". أحد أهم المؤرخين اليهود في العصر الحديث، البروفيسور دافيد انغل، من جامعة نيويورك، دعا في 2009 في مقال مشهور له، إلى التوقف عن استخدام هذا المفهوم، الذي يزيد الأمر غموضا أكثر مما يوضحه. 

حيث أنه ما هو المشترك بين نكتة غير لطيفة عن اليهود، وتدمير شواهد القبور على أيدي مجموعة هامشية من النازيين الجدد في أوروبا، وقانون ضد اليهود في ثلاثينيات القرن الماضي، وخطاب الكراهية للمهاجرين المسلمين وغرف الغاز في اوشفيتس؟ هذه ظواهر تختلف جدا الواحدة عن الاخرى إلى درجة أن وضعها تحت سقف واحد للمفاهيم هو خطأ فكري. ولكن تعريف اللاسامية ليس فقط مشكلة تاريخية للمفكرين، بل أيضا مشكلة سياسية التي احيانا، مثلما في حالة التعريف الذي اصدره التحالف، ضررها يكون اكثر من فائدتها.

التعريف الذي تم تبنيه من قبل منظمات كثيرة وحتى من قبل حكومات كنوع من المدونة الاخلاقية لمحاربة اللاسامية هو للاسف تعريف غير تاريخي، يبعد ظاهرة اللاسامية عن أي ملاحقة واقصاء آخر. ويمتنع عن التطرق إلى اللاسامية وكراهية الاجانب والعنصرية المنتشرة في الاساس في اوساط اليمين القومي المتطرف. في المقابل، وما لا يقل اشكالية، هو أن التعريف يستخدم فعليا كأداة اساسية في النضال ضد انتقاد التوجهات القومية المتطرفة والاخلال بحقوق الإنسان في إسرائيل.

الجزء من الامثلة في التعريف، التي جزء منها لم توافق عليه وثيقة حزب العمال البريطاني، افتتح بالتطرق المباشر لانتقاد إسرائيل. واسمها يظهر فيها تسع مرات. مفهوم عنصرية في المقابل، يظهر فيها مرة واحدة فقط. وحتى هذا يظهر في سياق الادعاء بأن التطرق لإسرائيل وكأنها مشروع عنصري، هو نوع من اللاسامية. بتبني هذا العنصر من التعريف تحظى إسرائيل بحصانة من الاتهام المعتاد من قبل كثيرين، مثل "ولكن ليس فقط" لدول كولونيالية اخرى. هكذا يحدث أن الخطاب الذي هو مشروع ومعقول بالنسبة للولايات المتحدة وكندا واستراليا، على سبيل المثال، محكوم بكونه لاسامية بالنسبة لإسرائيل – بهذا هو طابو. 

بند آخر يسمح بانتقاد إسرائيل، لكن باضافة التحفظ الذي يقول إن هذا الانتقاد هو شرعي طالما أنه "يشبه الانتقاد الموجه لكل دولة اخرى". الوثيقة تخلق بهذا تحريف وكأنه يوجد مستوى ثابت للانتقاد في المجال العام والدولة، الذي فقط اللاساميون يتجاوزونه. هل الانتقاد العام ضد جنوب افريقيا في عهد الابرتهايد، إيران منذ الثورة الاسلامية، الاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة (مملكة الشر)، الولايات المتحدة في زمن حرب فيتنام وفي عهد ترامب، كوريا الشمالية منذ بدأت في تطوير السلاح النووي وفرنسا في عهد حرب استقلال الجزائر وهكذا دواليك، أخذت في الحسبان عند صياغة التعريف؟ حيث أن انتقاد إسرائيل ليس اخطر من الانتقادات التي أسمعت أو تسمع ضد هذه الدول.

الواضح هو أن التعريف يعمل على تطبيع احتلال إسرائيل وأن يحوله إلى مشكلة معقولة، التي انتقادها لا يجب أن يكون "متطرف جدا"، بالعكس، التعريف عمليا يحول الانتقاد الشرعي لدول اخرى إلى أمر محظور بالنسبة لإسرائيل. ولأن انتقاد إسرائيل يمكن أن يعتبر لاسامية فإن التعريف يخلق حالة مخففة تختفي من كل خطاب سياسي انتقادي آخر وتعطي بذلك لإسرائيل امتيازا في كل ما يتعلق بقمع حقوق الإنسان والمواطن لا يمنح لدول اخرى في الساحة الدولية.

كما أشار باحث في العلوم السياسية، نيف غوردون، في نقاشه لتعريف التحالف المذكور أعلاه، فإن التأكيد الشديد على إسرائيل في الامثلة المرافقة للتعريف يخلق وضع فيه محاربة اللاسامية اليوم تدافع عن الدولة القومية. في حالتنا هذه إسرائيل، من خلال تصنيف انتقاد معين لها على أنه "لاسامية". في حين أن محاربة اللاسامية في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اقامة إسرائيل تركزت على الدفاع عن مجموعة تم التمييز ضدها واضطهدت من قبل دول قومية. 

المجموعة الاضعف في حالة إسرائيل هي الفلسطينيين. لا سيما الذين يعيشون تحت الاحتلال وبدون حقوق سياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.  تعريف اللاسامية للتحالف تساعد اذا في التقليل وحتى انكار العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الحديث يدور بناء على ذلك بعكس ساخر لأحد دروس الكارثة – قبول والدفاع عن "الآخر"، أي الاقلية الضعيفة والمضطهدة من قبل الدولة.

هذا الانقلاب لبس مؤخرا وجه مسرحية لامعقول، عندما حولت حكومة هنغاريا الملياردير اليهودي الناجي من الكارثة، جورج سورس، إلى بؤرة للهجوم السياسي، الذي في مركزه تشبيهات تناسب تعريف اللاسامية للتحالف، التي اختارتها هنغاريا. سورس ينتقد في السنوات الاخيرة السياسة القومية المتطرفة وغير الديمقراطية في هنغاريا ودول اخرى، من خلال تأييده لمنظمات تعمل ضد هذه التوجهات. في صيف 2017 نشر الحزب الحاكم في هنغاريا مئات المنشورات التي دعت الجمهور إلى "عدم السماح لسورس بالضحك أخيرا". من خلال استخدام تشبيه لاسامي كلاسيكي عن القوة الدولية التي يملكها اليهود في ايديهم كما يبدو.

ليس غريبا بناء على ذلك أنه كان هناك من اضافوا إلى المنشورات نصا لاساميا مفصلا مثل "يهودي قذر". نتائج الانتخابات الاخيرة في هنغاريا في نيسان 2018 التي فاز فيها حزب اوربان بشكل ساحق، تظهر أن الكثير من الهنغاريين يردون بصورة ايجابية على دعاية سياسية لاسامية. مع ذلك، تواصل هنغاريا كونها عضوة في التحالف، وهي منظمة وضعت نصب أعينها محاربة اللاسامية. ولكنها تعطي الشرعية لحكومة تعمل بصورة لاسامية حسب تعريفها هي نفسها. لقد احسن حزب العمال صنعا عندما رفض جزء من امثلة تعريف التحالف. يبدو مع ذلك أنه لا حاجة إلى أن يكون هناك مكان في الخطاب العام لتعريف "اللاسامية" التي هدفها كما يبدو الدفاع عن إسرائيل من أي انتقاد شرعي اكثر من الدفاع عن اليهود في ارجاء العالم.