أفكار في التحديث

د. خليف أحمد الخوالدة ندرك تماما أن الحكومة تواجه تحديات كبيرة والخيارات أمامها محدودة وتضطر أحيانا إلى تبني الخيار الذي يرافقه أقل الأضرار. نعمْ، التحديات متشعبة ومتداخلة ولكن في ذات الوقت الحلول ممكنة رغم الصعوبات. نقدر ما تقوم به الحكومة من جهود متواصلة لرفعة الوطن وتنميته، ونتمنى لها السداد والتوفيق لما فيه خير البلاد والعباد. ومن باب الإحساس بالمسؤولية المشتركة التي يتقاسمها الجميع، أود أن أستعرض بعض الأفكار في مسيرة التحديث، لعل الحكومة تجد فيها ما يفيد: أولا: التشخيص متعدد الأبعاد والتحليل الشمولي للحالة الوطنية الذي يقود إلى حلول متكاملة دائمة متزنة تضبط التوجهات والإيقاع، وتوجه الفعل العام مما يُضاعف النتاج. وتبني حلولا شاملة تراعي كافة المعطيات والأبعاد، والكف عن تبني حلول أُحادية الجانب بمعزل عن الصورة الكلية والسياق العام، وتعزيز ثقة المستثمر بالبيئة الاستثمارية والثبات النسبي في التشريعات والمعطيات، والحرص على الانخفاض النسبي لتكلفة المنتجات مما يزيد من قدرتها التنافسية في مختلف الأسواق وبالتالي يزداد حجم النشاط وتزداد فرص العمل وحصيلة الدولة من الإيرادات. ثانيا: التحول الإلكتروني والرقمي ضرورة حتمية لا بد منها، ليس فقط في مجال الخدمات، بل أيضا في الأنظمة والإجراءات الداخلية وقواعد البيانات. ثالثا: النقل أساس التنمية ومن المهم ربط المملكة بسكة “قطار سريع” ذات محطات محددة من شمال إربد إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا إلى المفرق إلى جامعة آل البيت إلى الجامعة الهاشمية إلى شرق الزرقاء إلى شرق عمان إلى جنوبه إلى المطار ومنه مستقبلا إلى مدخل الكرك إلى مدخل الطفيلة إلى مدخل معان إلى العقبة ومنها مستقبلا إلى وادي عربة إلى الأغوار الجنوبية ثم الوسطى ثم الشمالية. ولا بأس أن يكون ذلك من خلال استثمار أجنبي لعدة سنوات تعود في النهاية ملكيته للدولة. رابعا: التركيز على أولويات ذات ميزة تنافسية وقيمة مضافة عالية نسبيا وعلى رأسها السياحة والسياحة العلاجية والتعليم والأمن الغذائي والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد. خامسا: الضمان الاجتماعي، توجيه استثمارات أموال الضمان الاجتماعي إلى مجالات ذات أثر مضاعف على الاقتصاد من حيث توليد فرص العمل وتشغيل القطاعات الإنتاجية والخدمية. ووقف اشتراك العمالة الوافدة، مع كل التقدير لها، بالضمان الاجتماعي أسوة بالكثير من دول العالم، لأن الغالبية العظمى منها ينطبق عليها مفهوم “المهن الخطرة” والتقاعد المبكر وهذا مكلف على الضمان حيث يمتد صرف الرواتب التقاعدية للعديد من السنوات. علاوة على أنها تنفق خارج البلاد وبالتالي لا يستفيد منها الاقتصاد. سادسا: الموازنة العامة: موازنة التمويل بشقيها المصادر والاستخدامات لا تقل أهمية عن موازنة الإنفاق، وبند فوائد الدين العام يختلف في طبيعته عن بقية بنود النفقات الجارية، وبند المنح يختلف عن بقية بنود الإيرادات، مع ضرورة التفريق في موازنة فصل وزارة المالية، من حيث الصلاحيات والتحليل، بين بنود موازنة (نفقات وإيرادات) على مستوى الدولة وبين موازنة الوزارة مثل أي وزارة أخرى، ولا بد من تنقية الموازنات الرأسمالية في الموازنة العامة من أي نفقات جارية. سابعا: ضبط الإنفاق: الضمان الاجتماعي بديل لجميع أنواع التقاعد وصناديق التقاعد بما في ذلك صناديق التقاعد في النقابات، ومقابل ذلك الإبقاء على صناديق الاستثمار. ووقف العمل بتخصيص سيارات حكومية لجميع الفئات وكذلك وقف تخصيص سيارات على حساب الشركات المملوكة للحكومة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لأي كان بالإضافة إلى ضبط وتقنين الامتيازات. هذا بالإضافة إلى حوكمة التأمين الصحي وضبط مسبق ومتزامن لفاتورة المعالجات الطبية. ثامنا: متابعة الأداء: تعزيز المتابعة والمساءلة، فمواطن الخلل في جلها في الممارسة والتطبيق، وتفعيل الرقابة الإدارية والرقابة على الأداء. هذا بالإضافة إلى متابعة تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومتابعة وتحسين درجة وترتيب الأردن في المؤشرات الدولية. تاسعا: تحصين السلطات: تتولى وزارة العدل مهام الشؤون الإدارية والمالية والشراء واللوازم للمحاكم ويتبع موظفو المحاكم للوزارة، والغاية من كل ذلك هو حتى لا تكون السلطة القضائية عرضة لمساءلة ديوان المحاسبة. وهذا الأمر يفترض أن يسري بالضرورة ولنفس الغاية على مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، وذلك بأن تتولى الوزارة المعنية بالشؤون البرلمانية الشؤون الإدارية والمالية واللوازم في مجلس الأمة وأن يتبع موظفو المجلس للوزارة. ومن ناحية أهم، تتفرغ السلطات للاختصاص الأصيل. عاشرا: الدافع المشترك بين كافة السلطات والمؤسسات هو تعزيز مكانة الأردن على الخريطة العالمية اقتصاديا، كما هو واقع الحال سياسيا، وفي حدود الأدوار والاختصاصات التي رسمها الدستور. المقال السابق للكاتب إلى التنفيذ الفوري مع المتابعة والتقييماضافة اعلان