"أفي السنة شك؟!".. "كامل الصورة"

أسامة شحادة*

الشاب المبدع، أحمد بن يوسف السيد، طور إبداعه على شبكة الإنترنت بتحويل برنامجه "كامل الصورة" من عالم "يوتيوب" إلى عالم الكتب والمطبوعات، لكن بنفس الروح العصرية الشبابية التي قدم بها برنامجه، في مواسمه الأربعة؛ والتي جاء غالب حلقاتها في حوالي 7 دقائق فقط، بينما جاءت أطول حلقة في 12 دقيقة!اضافة اعلان
الهدف من هذا البرنامج هو تصحيح المفاهيم في ذهن الناس، وخاصة الشباب؛ إذ ينتشر بينهم -مع الأسف- الجهل بالثقافة الدينية، ثم يتعرضون لموجات إعلامية مغرضة ومضللة عن قصدٍ لتشويه المفاهيم في أذهان الناس، سواء عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. ويقوم على تنفيذ هذا الغزو إعلاميون حاقدون على الإسلام، أو شخصيات لديها أفكار منحرفة عن الإسلام الصحيح.
وجزء كبير من ترويج هذه الأباطيل على الناس يقوم على استعمال آلية تجزئة المفاهيم بشكل مغلوط قصداً وعمداً. ومن هنا جاء عنوان البرنامج "كامل الصورة"؛ إذ حين تكتمل الصورة عند الناس تتغير المفاهيم والقناعات، وتزول المغالطات، وتنتفي الشبهات.
وقد لقي البرنامج قبولا كبيرا في عالم "يوتيوب"، واهتماما واسعا من المختصين والعلماء، بسبب الطريقة المبتكرة في طرح قضايا مهمة وكبيرة، بأسلوب عصري ورشيق وشبابي، ومن دون كلفة مالية وتجهيزات كبيرة، كما الأثر الواسع لدى المتابعين. 
كُتب أحمد بن يوسف السيد الثلاثة اتسمت بكونها مقالات قصيرة، ذات عبارة رشيقة، وفكرة عميقة، وحوار منطقي؛ طرحت مواضيع جدلية معاصرة، وخلصت لنتائج مقنعة.
فحتى يتواصل العطاء ويستمر، تم تفريغ بعض الحلقات على شكل كُتب، لتخاطب شريحة أخرى من الناس والشباب، تثق بالكتاب المطبوع؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى، حتى تترسخ المعلومة وتصبح نموذجا وأسلوبا جديدين في علاج شبهات العصر لشبابنا، بلغة وأسلوب ميسرين.
كتاب "كامل الصورة" صدر منه جزآن عن مركز تكوين للدراسات والأبحاث. الأول، تناول قضايا متنوعة، حيث قدم إجابات عن تساؤلات كثيرة من الشباب والفتيات، من مثل: كيف نتعامل مع الأقوال والأفكار الجديدة؟، أنا حر، الدين والعقل، التسليم للنص الشرعي، لماذا يختلف العلماء؟، من يمتلك الحقيقة؟، كيف نستفيد من العلوم الغربية؟، تفاصيل الشريعة وأصولها تكامل أم تضاد؟.
أما الجزء الثاني من الكتاب، فخصصه السيد لمعالجة شبهات الإلحاد. ولذلك جعل له عنوانا فرعيا "ليطمئن قلبي: خذ إسلامك بيقين"؛ تناول فيه الحكمة والغاية من الخلق، وإثبات صحة القرآن الكريم، ودلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومصادر تلقي الإسلام، وغيرها من المواضيع النافعة.
أما كتابه "أفي السنة شك؟!"، والذي صدر عن مركز الفكر المعاصر، فيقدم السيد صورة متكاملة للسُنة النبوية من جوانب متعددة.
الجانب الأول، صحة ثبوت السنة النبوية ووصولها إلينا، من خلال العناية بها في مراحل متعددة؛ منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم زمن الصحابة، فزمن التابعين، ومن بعدهم تابعي التابعين، حتى القرن الثالث وهو العصر الذهبي لتدوين السُنّة النبوية.
فمن الشبهات الكاذبة التي تطلق للتشويش على السُنّة النبوية، أنها دونت بعد 200 سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وافتراء. إذ منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك عناية بالسُنّة وتدوين لها. فالقرآن الكريم حثّ على اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم. وقد امتثل الصحابة لذلك بتطبيق الوحي؛ سواء جاء من طريق القرآن أو السُنّة. كما أنهم دونوا القرآن الكريم، وشيئا من السُنّة بشكل مفرق، ومن ذلك قول أبي هريرة: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وفي عصر الصحابة، كانوا يسألون بعضهم عن سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يواجههم من أحداث، ثم يلتزمون بها. والتثبت في رواية الحديث النبوي أمر معروف بينهم، وقصة تثبّت الفاروق من الاستئذان ثلاثاً معروفة ومشهورة.
ومن بعدهم في عصر التابعين، عُرف تلاميذ الصحابة المتقنون للحفظ، إذ تميزوا بحفظ القرآن الكريم أو السُنّة النبوية. وفي عصر التابعين، توسعت كتابة الحديث. وقد رصد د. محمد مصطفى الأعظمي أسماء 53 تابعيا في القرن الأول كتبوا السُنّة النبوية. وفي القرن الثاني وجد د. الأعظمي 99 شخصاً.
وفي عهد تابعي التابعين، بدأ ظهور الكتب المختصة بالحديث النبوي، من أشهرها كتاب الإمام مالك "الموطأ" (توفي 179هـ)، وقبله كتاب ابن جريج (توفي 150هـ)، وكتاب محمد بن إسحاق (توفي 151هـ)، وغيرهم. وفي هذه المرحلة بدأ تأسيس علم الحديث الرواية والدراية.
وفي القرن الثالث، بدأت تكثر كتب الحديث وتتنوع هياكلها؛ بحسب المواضيع أو الرواة. كما بدأت تظهر كتب أسماء الرواة وأحوالهم. وفي هذا العهد ظهر الإمام البخاري الذي استفاد من هذه الثروة العلمية والمعرفية، فانتقى أحاديثه في كتاب سماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"، واشتهر بـ"صحيح البخاري"، وهو أوثق كتاب في سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن وضح جانب سلامة السُنّة والعناية بها منذ زمن النبي، تناول المؤلف أحمد بن يوسف السيد البرهنة على حجية السُنّة النبوية من القرآن الكريم والسُنّة وعمل الصحابة وإجماع العلماء. فمن القرآن قوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..." (الأحزاب، الآية 36)؛ ومن السُنة قوله صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، فما فائدة التبليغ إن لم يكن هناك إلزام بالعمل والتطبيق؟!
ثم تحول المؤلف ليكمل الصورة، بعد أن أظهر جانب سلامة الثبوت ووجوب الطاعة والالتزام، إلى جانب البرهنة على صحة علم الحديث بنفي الدخيل على السُنّة النبوية، ورغم أن أغلب من يشككون بعلم الحديث هم الجاهلون به وبقيمته، والتي يعترف بها المنصفون من غير المسلمين بعد دراسته ومعرفته. فعلم الحديث هو من العلوم التي تميزت بها أمة الإسلام عن سائر الأمم. وعالج هنا المؤلف النقاط التالية:
- موازين علماء الحديث في قبول وردّ روايات الرواة، والتي تتكون من: العدالة، وهي سلامة الديانة والبعد عن الكذب؛ ثم قوة الحفظ مع الاتقان والضبط. وقد عرف عن علماء الجرح والتعديل عدم المحاباة؛ فها هو الإمام علي بن المديني يضعف أحاديث والده، والإمام أبو داود لا يخجل أن يحذر من ابنه بأنه يكذب! ومن إنصاف علماء الحديث أنهم يقبلون رواية من يخالفهم في المذهب والمعتقد، إذا توفر فيه شرطا العدالة والضبط.
- صحة الرواية تقوم على تأكد علماء الحديث من اتصال سند الرواة العدول الضابطين؛ فإن حصل انقطاع بأن راويا يروي عمّن لم يقابله بسبب الوفاة أو البعد الجغرافي أو روى عنه ما لم يسمعه منه، رُدت الرواية.
- بعد ذلك تأتي مرحلة الفحص الأعمق، وهو البحث في سلسلة الرواة العدول الضابطين المتصلة عن علل خفية ودقيقة. ولذلك يضعف العلماء أحاديث لها رواة ثقات ومتصلة السند؛ لوجود علة خفية فيها، قادحة بالسلامة!
- أيضاً، هناك تحديث لمعلومات وبيانات الرواة. فالراوي قد يكون عدلا ضبطا ثقة، لكن تطرأ عليه شيخوخة يعتريها نسيان ووهم، فتجد علماء الحديث يقولون: فلان مقبول قبل أن يختلط، أو حديثه مقبول عن أهل بلد معين، لأنه لما سافر لبلد آخر كان سنه كبرت وأصبح لا يضبط حفظه.. وهكذا.
وختم السيد كتابه بالرد على عدد من الشبهات حول حجية السُنّة، وحول رواة الأحاديث، وتاريخ السُنّة النبوية، وبعض الأحاديث، وحول علم الحديث.
وفعلاً، يخرج المطالع لهذا الكتاب بصورة كاملة عن السُنّة النبوية.

*كاتب أردني