أقباط المهجر المصريون

 

كلما اقتربت الصحافة المصرية من ملف أقباط المهجر كلما غابت الموضوعية وارتفعت وتيرة التعميمات والمبالغات وخطابات التخوين الطائفي. وقناعتي أن صلب المعالجة الموضوعية المبتغاة إنما يتمثل في طرح النقاط الثلاث التالية:

اضافة اعلان

1) على الصحافة المصرية والعربية المهتمة أن تقدم للقراء معلومات موثقة عن أقباط المهجر إن في الولايات المتحدة الأميركية وكندا أو الدول الأوروبية وأستراليا وكذلك تحليل تفصيلي لهوية منظماتهم المختلفة وبرامجها الاجتماعية ومواقفها السياسية. هنا لا بد من النظر إلى أقباط المهجر في سياقين متقابلين، من جهة مواطنيتهم المصرية وما اكتسبوه من خبراتهم المجتمعية والإنسانية في مصر ومن جهة أخرى مواطنيتهم الغربية الراهنة ووضعياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المهاجر.

فأقباط المهجر لا يمثلون كتلة صماء واحدة ولا ترفع غالبيتهم لواء مطالب قبطية فقط، بل لهم تجاه مصر مطالب وطنية تتعلق بمواطنة الحقوق المتساوية والحريات والديمقراطية هي محل إجماع بين القوى الوطنية المصرية كما أن لهم في المهاجر مواقف اجتماعية وسياسية تتفاوت بتفاوت حظوظهم من الغنى والتعليم والاندماج. 

2) علينا أن نناقش بهدوء ودون مبالغات طائفية مطالب أقباط المهجر وجلها، كما ذكرت أعلاه، يتعلق بالحقوق المدنية والحريات الدينية والتمثيل السياسي للأقباط في مصر ومحاربة التمييز الموجه ضدهم. نعم هناك نزوع متطرف لبعض الشخصيات الهامشية داخل عدد من دوائر أقباط المهجر ومحاولات من البعض الآخر لتوظيف علاقات مع صناع قرار ومشرعين أميركيين بالأساس للضغط على الحكومة المصرية لتغيير بعض الممارسات، إلا أن هؤلاء وأولئك لا يمثلون القاعدة بل الاستثناء الصريح.

غالبية أقباط المهجر هم مواطنون ووطنيون مصريون لهم مطالب مشروعة يتردد صداها في الداخل المصري قبل الخارج ولا تملك الجماعة الوطنية المصرية أن تتجاهلها أو أن تقترب منها بمنطق النفي المخل بحقائق الواقع أو بمنطق التجريم لمجرد أنها تثار في عواصم أجنبية. فالتمييز ضد الأقباط والنواقص التي ترد على حرياتهم وحقوقهم الدينية والمدنية هي ظواهر قائمة تعبر عن واقع مجتمعي وسياسي علينا أن نتوقف عن إنكاره وأن نبحث عن مداخل لتغييره إن أردنا الحفاظ على الوحدة الوطنية فيما وراء الخطاب الرسمي الاحتفالي والقبلات المتبادلة بين رجال الدين المسلمين والمسيحيين.

3) ثمة مبالغات كبيرة في تقييم نفوذ أقباط المهجر في الغرب وقدرتهم على التواصل مع صناع القرار والمشرعين. وتتواتر ذات المبالغات في معرض تقدير أهمية العلاقات بين الأقباط وبعض مراكز صناعة السياسة والدوائر الإعلامية في العواصم الغربية.

فعلى كل هذه المستويات تظل فاعلية أقباط المهجر شديدة المحدودية، بل تكاد منظماتهم تغيب عن الصورة الكلية حين المقارنة بجماعات المصالح القوية في الغرب كالمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وألمانيا وتجمعات الأرمن في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها. ينبغي على المراقبين في مصر، صحافيين وأكاديميين، التوقف عن المبالغة حين الحديث عن منظمات أقباط المهجر والكف عن تصويرها كوحوش كاسرة تتأهب للانقضاض على المصالح المصرية في الخارج. فهذه الصورة تجافي الحقيقة في كل مضامينها.

المهم أيضاً هو أن ندير في صحافتنا نقاشاً صريحاً حول مدى شرعية وفاعلية التعاون مع الخارج لدفع قيم المواطنة وحقوق الإنسان قدماً في مصر وغيرها من المجتمعات العربية والمحاذير العديدة الواردة على ذلك. للحديث بقية.

[email protected]