أكبر تحالف وطني للدفاع عن التعليم

نحن في أوج الصراع غير المعلن على تحديد أجندة وأولويات إصلاح التعليم في بلادنا، فيما الأحداث والتحولات تكاد تتجاوزنا. إذ هناك قناعة عند الجميع بأن التعليم بكل مستوياته؛ التعليم المبكر والتعلم العام والتعليم العالي والتعليم المهني، يحتاج إلى إصلاح حقيقي، وربما ثورة وإصلاح جذري. والكل منا يدرك تماما أن خياراتنا في التعليم اليوم هي التي ستحدد مصير الأبناء والأحفاد في العقود المقبلة، وهي التي ستحدد أيضا مكانة الدولة الأردنية وقوتها، ونوعية حياة الأردنيين؛ بمعنى أننا لا نعيد اختراع العجلة بإعادة التذكير باليقين الذي وصل إليه العالم، وهو أن علاج معظم مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكمن في التعليم لا غيره. لكن مشكلتنا الكبيرة هي بأي أولويات يتم الإصلاح، وكيف؟اضافة اعلان
الأردن يشهد لحظة دقيقة، وربما حاسمة في تحديد مصير ملف التعليم. فقد وصلت الحوارات والسجالات العامة حول ماهية الإصلاح وأهدافه وأولوياته، أوجها. وهي ظاهرة صحية من دون شك، لكن الاستمرار في هذا المسار من دون نتائج ملموسة، ومن دون القدرة على خلق إجماع وطني حول أجندة الإصلاح، يعد حرثا في البحر. فما دام النقاش العام عاجزاً عن توفير شرعية مجتمعية لمطالبه، تنعكس في إرادة إصلاحية متوافقة على حد معقول من الأولويات والمضامين، فإن كل هذه الحوارات والنقاشات لن تترجم في سياسات وطنية تتبناها الدولة عبر مؤسساتها التشريعية والتنفيذية.
يستحق إصلاح التعليم والدفاع عن حق الأجيال الجديدة في تعليم نوعي يواكب العصر ويبني دولة مدنية ديمقراطية، بناء أكبر تحالف وطني من شخصيات وطنية من التيارات وتلاوين الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية كافة، وقادة الرأي العام والقادة الاجتماعيين، بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية؛ تحالف يضم مؤسسات مدنية وأهلية وقطاعات اقتصادية. الجميع يؤمن أن لا مستقبل على هذه الأرض إلا بتطوير نوعية التعليم وعدالته.
أكبر تحالف للدفاع عن إصلاح التعليم هو في الحقيقة للدفاع عن الأردن. وهذه هي الوطنية الحقيقية في أفضل تجلياتها. وقد لاحظنا خلال الأيام والأشهر الماضية كيف يتم تخاطف أجندة إصلاح التعليم بين تيارات سياسية واجتماعية وثقافية، وكيف تنتهي الأمور إلى حالة من الصدام العدمي من دون جدوى.
بناء أجندة إصلاحية للتعليم يحتاج حدا معقولا من التوافق الوطني، فلا يمكن لتيار سياسي ولا لفئة من التكنوقراط أن تفعل ذلك. ولا يمكن لمجموعة من الطلبة تعتصم أو تحتج، فرض خريطة الإصلاح؛ فثمة فرق جوهري بين ما يريده الطلبة أحيانا، وما يحتاجونه بالفعل.
في إدارة الاختلالات الكبرى، وفي المراحل الحرجة، يسود اعتقاد لدى البعض بتجزئة هذه الاختلالات وأخذها للعلاج قطعة قطعة. وهو الأمر الذي لا ينظر إلى أن الاختلالات في الأصل قد تكون متدحرجة، أصلها واحد، وثمة أيضا حل واحد، قد يأخذك إلى سلسلة من الحلول. وهنا علينا أن نعود إلى المفتاح الذي يفتح عشرات الأبواب؛ التعليم، أي التعليم الكفؤ المحمي بقوة القانون.
الخميرة الحقيقية التي تختبر فيها صدقية النوايا الإصلاحية، تبدو أحيانا في حجم الإنفاق على التعليم. والموازنات الحكومية خلال السنوات الماضية غير إصلاحية؛ إذ تراجع الإنفاق على التعليم في الوقت الذي ينمو في مجتمعات مجاورة. لكن إصلاح التعليم لا يكمن في الإنفاق وحده، إذ يمكن أن تنفق بعض دول أموالا طائلة على تعليم فاشل يقدم مخرجات رديئة. لكن الإنفاق على إصلاح التعليم هو استثمار اجتماعي-اقتصادي بالدرجة الأولى في حالة الأردن، حيث لا توجد أمامنا إلا هذه الطريق. فكلما هزتنا الأحداث، تعودنا وتعلمنا أن نتأكد من الجبهة الداخلية. وهذه المرة، فإن سلامة هذه الجبهة على المدى البعيد، في التعليم؛ أولا وأخيرا.