أكبر من تقصير

لا ندري لمن نتوجه بالحديث ولمن نشكو، ومن نطالبه بالإصلاح! فمؤسسات الحكومة، التي من المفترض أنها صاحبة الولاية العامة، جزء كبير من المشكلة! وليس من المعقول ان يتوجه الناس والإعلام الى جلالة الملك لحل مشكلة الغاز ونقصه عند كل سقوط امطار، او نطلب إلى الملك حل مشكلة آليات وزارة الاشغال العاجزة عن فتح طريق، ونتوجه الى الملك ليتابع اداء الحكام الإداريين الذين ثبت ان بعضهم لا يصلح الا لرعاية احتفالات عيد الاستقلال، وإلقاء كلمات المديح عندما يزورهم مسؤول!

اضافة اعلان

وليس معقولا ان تصبح قصة الإعلام والناس وجود الثغرات والشكوى عند كل حدث؛ فالأمر تعدى حل مشكلة نقص الغاز، او الطرق المغلقة، او الناس الذين تحدث مسؤولو عمان انهم أنقذوهم بينما كانوا عالقين في الثلوج! القضية في نوعية المسؤول وكفاءته، وقدرته على حل المشكلات او منع وقوعها.

وبلا مواربة او تمويه، فإننا امام ظاهرة تكشف لنا انخفاض مستوى نسبة من المسؤولين، وأن من نضعهم لخدمة الناس يتحولون الى مسؤولي بروتوكولات، ولتكوين ارصدة وامتيازات!

ما ندعو إليه ليس حل مشكلة نقص الغاز، او تقويم ما جرى خلال الثلجة، إنما ندعو جذور الدولة الى مراجعة شاملة لطبقات المسؤولين والاشخاص الذين يتولون مقاليد خدمة الناس، او على الاقل ان يعاد تأهيلهم ليدركوا انهم جاؤوا لخدمة الناس، لا ان يشعر احدهم ان وجوده في الموقع نعمة من الله تعالى على الشعب، فبعضهم وهو يتحدث يكاد يمن على الناس انه مسؤول!

الحكومة التي اتخمتنا حديثا عن الشفافية ومكافحة الخطأ مطالبة بأن تقنع الاردنيين، عبر اجابات شافية عن اسئلة بسيطة: متى يزداد استخدام المشتقات النفطية، في الصيف ام في الشتاء؟ واذا كان الشتاء هو الجواب، فلماذا نعيش في كل موسم شتاء، ولعدة مرات، ازمة نقص الغاز والديزل؟ وإذا كان الواجب الاساس لمدير المصفاة تقديم الخدمة للناس، فماذا لا يقوم بهذا من دون ان يتحمل الناس العناء، وأن تكتب الصحف ويستضيفه التلفزيون ليقدم وعدا بأن الامور ستكون على ما يرام؟ إذ ما دام مسؤولا، فلماذا لا تكون الامور على خير من دون هذا المسلسل المكرر في السنة، ولعدة مرات؟

ولأن هذا المسؤول لا يقوم بواجبه، فإن اصحاب المحلات يمارسون، ايضا، سلوكات غير سليمة. وكما قال احد كبار السن، فإن محل الغاز الذي يشتري منه دائما طلب إليه الحضور الى المحل ليأخذ جرة الغاز على ظهره، اما في ايام اخرى فالسيارات تبقى تطلق الزامور مرات ومرات لتسوّق ما لديها من غاز!

نعود الى جوهر القضية التي تحتاج الى ملتقى مثل ملتقى كلنا الاردن، لنبحث سويا عن اداء ايجابي من المسؤول في خدمة الناس، اداء لا يجعلنا نغرق في اي مشكلة، اداء يشعر معه الناس بهيبة الدولة التي لا تصنعها الاغاني والخطابات بل الاداء الايجابي. فالمسؤول الذي يصنع الازمة، او يحوّل الحدث العادي الى مشكلة او كارثة، يسيء الى هيبة الدولة ومكانتها لدى المواطن، حتى لو كان هذا المسؤول محترفا في الغناء الوطني او الكلام الانشائي حول الانتماء والولاء والمديح. أما المسؤول او المواطن المنتمي، فهو الذي يقوم بواجبه، ومن يجلب للدولة النقد والصورة السلبية، فلا قيمة لانتمائه الخطابي، لأن هذا الشعر قابلته الدولة بموقع وامتيازات وألقاب.

مشكلتنا الاساسية ليست مع ثلجة تحاصر آلاف الناس بسبب تقصير المسؤولين، وليست مع نقص اسطوانات الغاز عند كل منخفض، ولا حتى مع اي مشكلة، بل هي مع نوعية المسؤول وطريقة ادارة الامور؛ هذه الطريقة التي ترتبط بالكفاءة والقدرة. وهنالك مشكلة في التنسيق بين الاجهزة المعنية بكل قضية، وهنالك مشكلة في قدرة المسؤول على المبادرة؛ فليس من المعقول ان يبقى المسؤول الميداني بانتظار التعليمات من الوزير، والوزير يطلبها من فوق، والى حين توفر هذا يتحول الحدث الى مشكلة!

المسؤول هو عنوان الدولة، ومشكلتنا ليست مع موزع الغاز او سائق الجرافة، بل مع الاسس التي تأتي بالوزير والمدير والامين والمحافظ ومدير الدائرة، وربما حتى رؤساء الوزارات، لأن المسؤول الاول اذا قام بواجبه لا يمكن لمن هو دونه ان يقصر، ولو فعل لتمت العقوبة. لكن اذا رأى الصغير ان الكبير مقصر ويكتفي "بالحكي"، فإنه يمارس "الحكي" أيضا. ولهذا، فمن قوانين التنمية السياسية تنمية البنية الادارية للمؤسسات والحكومات، ليس عبر نظام الخدمة المدنية او امتحانات التنافس، بل بشكل شامل.

مشكلة الغاز او الثلجة او غيرها يمكن ان تنتهي، لكن استمرار مشكلة نوعية المسؤول يجعلنا "مؤهلين!" دائما لاستقبال مشكلات اكبر! فالمسؤول الذي يفشل في حل مشكلة شتوة سيكون عاجزا عما هو اكبر.

[email protected]