أكثر مما ينبغي

تُمسكُ أيهذا الفتى كثيراً على صبوة نفسك، تشدُ على جماحها أكثر مما ينبغي، تفتُّ فيها، وتتقدُ طويلاً في سرك. تَعقِلُ كل شاة شاردة، كل نزعة فائرة، ولا تَعقِلُ قصف الرعد في بدنك.

اضافة اعلان

فمن أين لك كل هذه القدرة على التجلّد، كل هذا الاخضرار أمام دورة عقارب الوقت، كل هذا التحمل، من دون أن ينشف ريقك، ولا يتحطب فيك قلبك؟

ومن أين يأتيك هذا الانجراف الداخلي، كل هذا المضيّ الشقيّ عكس الاتجاه، السباحة ضد التيار، ولا ينهرك من الداخل روعك؟ هل لأنك قادر على الانبهار بعد؟ فعل الدهشة بلا حرج؟ الخروج على السياق المحدد في النظام العام، وعلى حس القطيع دونما تردد؟

تَعلمُ أيهذا الفتى أنك لست عابداً متعبداً أمام إله سومري مذهّب، ولا أنت قدام صنم سبق أن سويته من سمسم مقشور ومن عجينة الرطب، لستَ واحداً في جوقة المنشدين بالزي الموحد، ولا أنت مجرد مُخرَج أعادت إنتاجه مدخلات النمط.

فبحق هذا الروع الممتد من الصدر إلى سلسلة النوع، إلى المرتب الضئيل في آخر الشهر، إلى الضوء الخافت في نهاية النفق، تمهل وأنت تجتاز نصف المسافة الباقية، واتئد وأنت تعبر الساقية. وبحق هذا الانشطار المدوي بين أعطافك الساخنة، هذا التشظي المتتابع في لجة القلب على نحو لا نهائي، وكل هذا الشرار والغبار، وهذا الركام الذي ينهال على شرفة الروح، تمهل قليلاً، توقف برهة لتلم شتات نبضك، هشيم فخار بدنك، لتسوي أمرك بيدك، وترد بعض نفسك.

إذ يبدو أنك قد اقتربت كثيراً من أوار الشمس، من تخوم نارها المعظمة، تجاوزت برزخ المحرّم، وتعاليم أساتذة الحياة العظام. تجاهلت وصايا الأمهات المفعمات بالنصائح التي لا تنتهي، وطول البال والحنان، فلم تصغِ لما قيل لك ألف مرة: إياك ثم إياك أيها الشقي بوعيك المبكر.

فمتى ستوقف أيهذا الفتى غذّ السير بظلفك نحو حتفك، وتؤوب إلى نفسك زاهداً بالأمنيات الكبيرة، متخففاً من المزاعم التي لا تتسع لها سقيفة أبيك وأمك؟

عليك في رابعة هذا النهار أن تحتاط أكثر، أن تحاذر أشد من ذي قبل أين تضع قدمك، عليك أن تسترد القفاز الذي رميته أنت أمام نفسك، وأن تخفض الجناح أمام هجمة الأيائل المستريبات، وسرب الحمام المرفرف في ذرىً سامقات.

لا تؤجل فك هذا الحصار الطويل عن مقام روحك، ولا تراوغ أكثر وأنت تعيد اعتباراتك الموضوعية إلى غمد سيفك من دون ذرائع، ومن غير تماهٍ مع الكليات الكبيرة والمطلقات. فأنت لا تستطيع بجناحيك المقصوصين هذين، محاكاة شراع يملأ صدره الهواء، أو تناظر خفق سارية تدل على اتجاه الريح، فوق أنك سَبَتَّ أكثر مما ينبغي بين صفحتي غلاف ديوان شعر مؤجل.

فاحتسب أيهذا الفتى ليومك، لموضع قدميك في بلاط الليلك، احتسب لنفسك عند نفسك، وترفق بها وأنت تحملها، كرّةً بعد أخرى، أن تفيء لك وحدك.

[email protected]