ألعاب الفيديو.. "سرقة" لحياة المراهقين وإضرار بالبنية الجسدية

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان- أصوات وضحكات عالية، حوارات غريبة، انفعالات وصراخ، وعلى النقيض تماما، انعزال عن الحياة، ابتعاد عن الطعام والشراب، استعجال في كل شيء، هذا هو حال علي منذ بدء ممارسته ألعاب الفيديو كـ"ببجي" و"فورتنايت".اضافة اعلان
تقول أم علي، إن ابنها ذا الـ(14 عاما)، تعلق بألعاب الفيديو، وتسببت له بحالة من العصبية والحياة العدم، فهو "لا يأكل ولا يشرب، حتى أنه يبقى واقفا أثناء اللعب، مستخدما حركات يديه السريعة، وسماعات بأذنيه وصراخ متواصل مع أصدقائه، وعلى اللعبة ومسارها".
وتؤكد أنه لم يشرب سوى دواء مسكن على مدى يومين متتاليين نتيجة آلام رأسه وعينيه، حتى أن ردود فعله مع والديه اختلفت كثيرا، والموضوع ليس المراهقة وحسب، فهي مرحلة مفهومة، لكن دخول مثل هذه الظروف على المرحلة يجعل الأمر أكثر تعقيدا.
وتشير إلى أنه "لا يعيرنا أي اهتمام، حتى أنه لا يخرج معنا، فاللعب لا ينتهي ولا وقت لديه، نومه قليل جدا، ولا نجتمع على أي مائدة، وحجته في عدم تناول الطعام هي عدم الاهتمام به وعدم طبخ ما يحلو له وإن كانت جميع المواصفات التي يريدها متوفرة في الطبخة".
وفي النهاية تجد أم علي نفسها أمام جدار كبير، وهي أن هذه الألعاب لن تذهب من حياتها إلا وهي قاضية على ابنها جسديا وصحيا وحتى عقليا.
منظمة الصحة العالمية كانت قد قررت إدراج "اضطراب الألعاب" بقائمة الأمراض، لما له من تأثيرات سلبية على صحة الناس النفسية والجسدية، ليتم تصنيفه كأحد الاضطرابات العقلية، على أن يدرج في الطبعة الـ11 لدليل التصنيف الدولي للأمراض النفسية في 2018.
وحدثت منظمة الصحة العالمية الدليل التشخيصي آخر مرة منذ 27 عاما، وتنوي المنظمة إدراج اضطراب الألعاب بسبب الأضرار الصحية والنفسية التي يسببها ويجب دراستها، وبالفعل تم دراسة الاضطراب في مسودة الطبعة الـ11 على أنه نمط من سلوك الألعاب المستمر أو المتكرر (سواء الألعاب الرقمية أو الفيديو)، الذي قد يكون عبر شبكة الإنترنت أو غير متصل عبر الشبكة العنكبوتية.
ويشير اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، إلى أن تمضية اليوم أمام الألعاب الإلكترونية والأجهزة الذكية، يتسبب بالأنانية والعدوانية، وكذلك التأثير السلبي في النوم، والانعزال عن الآخرين، والعنف والتنمر، والاضطرابات النفسية المزمنة والعصبية المفرطة، وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، إلى ذلك خطر الاضطرابات التي ترتبط بالسمنة وأمراض القلب، وآلام الظهر والمعصم، وإجهاد العين، والصداع.
وينوه مطارنة الى صعوبة حرمان الأطفال من اللعب بهذا العصر، لكن ينبغي تحديد ساعات اللعب وبحزم شديد وعدم التراخي أمام أي طارئ أو مبرر.
أما عن الأضرار الصحية التي من الممكن أن تؤذي جسد المراهق أو الطفل المدمن على هذه الألعاب، فيقول اختصاصي الطب العام د. مخلص مزاهرة "إن وضعية جلوس الأطفال غير المريحة والجلوس لفترات طويلة أمام الجهاز الإلكتروني قد يؤديان إلى حدوث شد عضلي في الظهر والكتف، فضلا عن شعورهم بالتعب الشديد والإرهاق الناتج عن البقاء في وضعية واحدة لفترة طويلة، وما قد يصاحب ذلك من ضعف حركة الدورة الدموية والضغط على العضلات والمفاصل".
وأضاف "أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية يصيب الطفل بعادات الميل إلى الوحدة، ويعرضه لمشكلات نفسية وصحية مثل التوتر والقلق وضعف الشخصية والخوف من مواجهة الآخرين".
ويبين "ومن المشكلات الصحية الأخرى؛ إصابة العين بالجفاف وزيادة ضغط العين، مما يؤثر في مستوى نظر الأطفال، ويصيبهم بأمراض في الشبكية"، مشيرا إلى ضرورة تقليل فترة جلوس الأطفال أمام هذه الأجهزة إلى أقل وقت ممكن، وأن يكون هناك إشراف أسري على ذلك حفاظاً على صحتهم.
ومن ناحيته، يلفت اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، إلى دور الأسرة في حماية الأطفال؛ فالآباء والأمهات هم القدوة وصانعو التغيير؛ إذ تقع على عاتقهم مسؤولية وضع قواعد للاستخدام السليم للألعاب الإلكترونية، فضلا عن إشراك أبنائهم في الألعاب الحركية والنشاطات الاجتماعية والرياضية التي تنمي مهارات التواصل الاجتماعي، وتعزز مهاراتهم اللازمة لنموهم وتطورهم الجسدي والعقلي السليم.
ودعا الآباء والأمهات إلى ضرورة التحدث مع الطفل عن اللعبة التي يحبها واكتشاف سبب تعلقه بها، وتخصيص أوقات للعب معه واختيار ما ينمي الحس الفكري والذكاء عنده.
وبالعودة إلى مسودة منظمة الصحة العالمية، فهي تشير إلى وجود عوامل تدل على إدمان الشخص ألعاب الفيديو؛ وأولها أنه لا يمكن السيطرة على النفس والتوقف عن الألعاب تحت أي ظرف، وممارسة ألعاب الفيديو لساعات طويلة رغم الأضرار والعواقب، حتى لو كانت صحية، واستمرار اللعب لفترة لا تقل عن 12 شهرا.
وفي المقابل، يبين اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أن لهذه الألعاب أضرارا نفسية وأهمها العصبية والأنانية والتوتر الذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم فيتسبب بآلام حادة في الرأس والعينين، وحدة في التعامل، وأحيانا كثيرة الانطوائية فلا يعرف الحديث إلا من خلال هذه الألعاب أو عنها، ولا يستطيع الدخول بأي نقاش ويكون ذا شخصية مهزوزة ومتوترة.
وبين أن الفترات الطويلة أمام هذه الشاشات لها تأثير في معدلات النوم الهادئ والقدرة على التركيز والانتباه، والاضطرابات التي ترتبط بالسمنة وأمراض القلب، والانعزالية والانطوائية، مما يسهم في ارتفاع نسبة الإصابة بمرض طيف التوحد بين الأطفال.