ألغام صناع الكراهية الرقمية

د. محمود أبو فروة الرجبي آن لكل واحد منا أن يبحث عن أسباب خطاب الكراهية المنتشر في منصات التواصل الاجتماعي، للوصول إلى طريقة ناجعة في التعامل معها، قبل أن تتحول إلى أكبر مصنع للألغام، فتنفجر بين أقدامنا ما بين لحظة وأخرى. انتشار الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي أعطى فرصة كبيرة لصناع خطاب الكراهية، لتطوير أدواتهم، ومضامينهم، وطرق إقناعهم، وباتوا أكثر قدرة على التواصل مع أعداد غير محدودة من الناس، والوصول إلى عقولهم بطرق مختلفة، واستثمار ما يُبث هنا وهناك لصياغة أكاذيب، وأضاليل، تجد طريقها بطرق أسلس إلى عقول وقلوب الغاضبين، أو الكارهين، أو الباحثين عن مكان، أو جزء من كعكة مفترضة. من الـمهم البعد عن المعالجة المجتزأة لهذا الـموضوع، وليس من الحكمة قراءة مفرداتها بعيدًا عن الظروف التي تمر بها بلدنا، والمصاعب التي يواجهها الناس، وحالة عدم اليقين التي يعيشها الشباب، وفي ظل بيئة خصبة تساعد عليها؛ سمادها وماؤها البطالة، والفساد، والشعور بعدم العدالة. لن يفهم من لا يجد عملًا أو الجائع أي منطق، ولن يقتنع إلا إذا حصل على حاجته الملحة، ولذلك، لا بد من إدراك أن أول طريقة يمكن بها محاصرة صناع الكراهية، هي إزالة البيئة التي تصنع قشها اليابس القابل للاحتراق بسرعة، وكلما تمكنت الدولة من تحقيق طموحات الناس، وأحلامهم، واحتياجاتهم، استطاعت سد آذانهم عن سماع تلك الأسطونات المشروخة التي تسيء إلى الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي، والتآلف بين الناس، والـمتفق عليه بين الأردنيين كافة. صناع الكراهية في بلادنا كثر، بعضهم ترك منصبًا كبيرًا، فلا يجد سوى هذا الخطاب ليقول للناس إنني موجود، وآخرون يريدون الاعتماد على الدولة في كل شيء، دون أن ينتجوا أي شيء، ويتناسون القاعدة العقلية التي تقول إن الشعب المنتج يراكم الثروات، والموارد ليصل في النهاية إلى خدمات واسعة تكفي الجميع. لا بد من وجود دراسة معمقة تحاول أن تصل إلى الطرق التي يفكر بها صانعو خطاب الكراهية، من أجل تشكيل خطاب وقائي يساهم في بناء الوطن بعيدًا عن هؤلاء، والمؤسف أن عقل صانع الكراهية ينشأ بناء على أساس حقه في كل شيء وألَّا واجبات عليه، وهذا يجعله عدميا، يطلب كل شيء من الجميع، ولا يعتقد بوجود أن شيء عليه. في عالمنا العربي تحالف غريب بين التفكير غير الـمنطقي الذي يتربى عليه غالبية الناس، والسوداوية، وفشل بعض الحكومات في تحقيق تنمية مستدامة عادلة، مما أدى إلى أن تصبح الكراهية وصناعها، ودعاتها هم الأساس الـمستمر، بحيث أنه من المؤلم أن ما يقال في الفضاءات العامة هو التنمية المستدامة، بينما الواقع يحدثنا عمليًا عن فشل مستدام في غالب الأحيان. لا بد من نظرة شمولية، وخطة واقعية لمعالجة ظاهرة صناع الكراهية الرقمية، وبغير ذلك علينا أن نتوقع في كل لحظة أن تدوس أقدامنا لَغمًا قد لا نعلم نتائجه الكارثية. ويحمي الله بلدنا الأردن، ووطننا العربي الكبير والعالم أجمع.اضافة اعلان