أمراض فتيات تبدد حلمهن بتكوين أسرة

مجد جابر

عمان- عمت أجواء الفرح البيت بعد قرار الابن الارتباط بالفتاة التي اختارها، وهو ما جعل والدته أم محمود تتصل على الفور بأهلها وتحديد موعد للذهاب وطلب يدها.اضافة اعلان
ولكن، انقلبت كل الموازين رأسا على عقب، وتحول الفرح الى حزن لحظة إبلاغ أهل العروس لعائلة الشاب قبل الاتفاق على أي شيء بأن ابنتهم تعاني من “الصرع”، الا أنها تتلقى العلاج بشكل مستمر.
الخبر نزل كالصاعقة على الأهل، ما دفع الأم للتراجع مباشرة وتمضية الزيارة بأحاديث عادية، وبعدها الذهاب للبيت لتبدأ الخلافات بينها وبين ابنها الذي لم يخبرها بالأمر، وأنها يستحيل أن توافق على ارتباطه بها، لكن إجابته كانت “لن أتزوج غيرها مهما حدث وهذه حياتي وأنا حر بها”.
تقول أم محمود “كنت أظن أن أجواء زواج ابني ستكون كلها فرح وسعادة على عكس ما يحدث الآن في بيتنا تماماً، البيت انقسم الى قسمين هو يريدها وأنا يستحيل أن أوافق على زواجه، فهل ربيت ابني طوال هذه السنين وعلمته أحسن تعليم حتى يدخل في زواج متعب وصعب وغير مضمون وعواقبه قد تكون كبيرة عليه وعلى أبنائه في المستقبل”.
وأنهت حديثها بجملة واحدة “الله يشفي البنت ويبعدها عن ابني”.
أم رامي هي الأخرى تعلق ابنها بفتاة كانت مصابة بمرض “التصلب اللويحي”، الا أنه لم يبال للأمر وأصر على خطبتها، متعهدا بأنه سيواظب على علاجها، غير أن والده رفض تماماً الفكرة، من منطلق أن هذا الزواج فيه الكثير من المعاناة والنهاية محسومة ومعروفة.
غير أن الشاب لم يكترث لكلام والديه، ما جعل الحزن والحسرة تتملكان قلب أمه وأبيه، وبعد محاولات عديدة والتحدث مع الفتاة نفسها، وتدخل عدد من أفراد العائلة، بدأ يقتنع كما تقول والدته، لافتةً الى أنه قطع علاقته بها لكنه ما يزال رافضا لفكرة الزواج.
وفي سؤال “الغد” للعديد من الأمهات من مختلف البيئات والطبقات، حول اذا كن يوافقن على زواج أبنائهن من فتاة تعاني من مرض معين، كانت الإجابة واحدة من قبل كل الأمهات وهي “الرفض التام”.
غير أن لكل قاعدة شواذ، فرغم أن ابراهيم تقدم لخطبة فتاة بطريقة تقليدية بدون أي علاقة حب تربطهما ببعضهما بعضا، ومن الجلسة الأولى قامت الفتاة بإخباره بأنه قبل أن يحضر أهله بأنها مصابة بالسرطان الذي تعالجت منه منذ فترة وأنها تترك له الخيار الآن للتفكير.
ابراهيم عاد الى بيته وبقي يفكر بالأمر ثلاثة أيام والتي وصفها بأنها كانت أصعب أيام حياته، خصوصاً وأنه وجد في الفتاة كل شيء يحبه، خصوصا صراحتها المطلقة، الى جانب أنه شعر بأن ذلك امتحان من الله، ما جعله يذهب لأهله ويخبرهم بالأمر، وبأنه قرر خطبتها ورغم أن والدته امتعضت بعض الشيء، الا أنه أخبرها بأنه قد يتزوج أي فتاة طبيعية وتصاب بعدها بمرض.
ذهب ابراهيم وعائلته لخطبة الفتاة، الآن قد مضى على زواج ابراهيم 15 عاما ورغم أن الطبيب قد أخبره بعد طفلهما الأول أن زوجته لن تستطيع الانجاب بعد ذلك، الا أنه رزق بولدين بعدها، يقول “أنا لا أفسر ذلك سوى أنه رضا من الله وبأنني اخترت القرار الصحيح ولم أتركها بسبب مرضها فعوضني الله خيراً”.
ويرى الاستشاري الاجتماعي الأسري ومدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان، أن حسن الاختيار شرط من شروط الزواج الناجح وأن يكون الاختيار بناء على أسس معينة، لأن الهدف من الزواج تحقيق المودة والسكينة والرحمة وأن يكون هذا الزواج دائما ومحققا لأهدافه.
وقد جاء الفحص الطبي قبل الزواج ليكون أحد العوامل التي تساعد في بناء الأسرة على أسس صحيحة، وبقدر ما يكون لكل طرف معلومات متكاملة عن الطرف الآخر يكون الزواج أكثر استمراراً ونجاحاً، وفي حالة وجود علة أو مرض فإنه لا بد أن يعلم الآخر بذلك حتى لا يتفاجأ به بعد الزواج، مما يؤدي الى ردة فعل قد تصل الى الطلاق.
أما اذا تم الأمر بعلم ورضا الطرفين فإنهما يتحملان المسؤولية، خصوصاً أن بعض الأمراض قد تؤثر على الحياة الزوجية أو على الإنجاب وحق كلا الطرفين على الآخر.
ويذهب الى أن رأي الأهل في مجتمعاتنا أمر أساسي حتى وإن كان الخيار الأساسي للشاب والفتاة، فطبيعة العلاقات الأسرية تتطلب استشارتهما وأن يكونا مقتنعين بالزواج قدر الإمكان.
وعلى الأغلب، وفق سرحان، فإن الأهل يفضلون لأبنائهم الزواج من فتيات لا يعانين من أمراض أو علل وهذه نظرة المجتمع، مبيناً أنه يرى أن الأمر آخذ في التغيير مع الوقت، وخصوصا في الحالات التي لا يكون فيها المرض مؤثرا على الحياة الزوجية.
ويذهب الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة، إلى أن “الزيجات التقليدية” بطبيعتها تتم بناء على مواصفات محددة ومن ضمن هذه المواصفات تكون الصحة منها، مبيناً أنه لو تم سؤال أكثر من 100 أم هل تقبل زواج ابنها من فتاة تعاني من مرض فلن توافق كون ذلك سينقص من معايير الزواج التي وضعتها.
غير أن الوضع في “الزيجات غير التقليدية” يختلف، فقد تعارض الأم في بداية الأمر لكنها ستوافق في النهاية، لأن الحب والعلاقة الدافئة قد تعوض عن موضوع الصحة، لكن لا يمكن توقع موافقة الأم في أي زواج تقليدي على ذلك، خصوصاً وأن المرض من الأشياء التي تقلل من مثالية الزواج.
وفي حال حدث العكس، فإن والدة الفتاة كذلك ترفض أن تزوج ابنتها لشاب مريض، لافتاً الى أنه في النهاية الحب يكسر المنعطفات ولا يطلب مواصفات مثالية.
وفي ذلك، يقول أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية د. منذر زيتون، إنه اذا كان من الأمراض المعدية أو المانعة من إتمام مفهوم الزواج يكون من حق الشاب وأهله أن لا يستمروا في هذا الزواج، الا أن هذا ينطبق على أمراض معينة فقط.
الى جانب أن هناك أمراضا وراثية فقد تكون الفتاة سليمة، لكن أهلها متوارثون لمرض معين، ما يجعل الأولاد عرضة لأن يحملوا هذه الجينات.
ومن ناحية شرعية، يقول زيتون “لا بد أن يظهر أهل الفتاة للشاب المتقدم وأهله اذا هنالك مرض ما، لأنه لو اكتشف بعد الزواج يحق له فسخ العقد واسترجاع كل ما قدمه في هذا الزواج”.
ويضيف زيتون أن ما يحدث هو أن أهل الشاب يبالغون أحياناً كثيرة، فهناك كثير من الأمراض لا تمنع من تحقق الزواج وتحقيق أهدافه، لذلك لا يجب الوقوف في وجه الشاب والمبالغة في تخويفه طالما المرض غير خطير أو معد أو وراثي.
ولا بد للأهل أن ينظروا لروح الشخص أكثر من جسده، فأحياناً هناك أشخاص بغاية الجمال من الشكل الخارجي الا أن مرضهم روحي، لافتاً الى أن على الأهل أن يضعوا ابنتهم في الموقف نفسه ويفكروا ماذا لو حدث العكس.
الى ذلك، يقول إن فحوصات ما قبل الزواج تبين تماماً ما هو المرض الوراثي الخطير وما اذا كان كلا الشخصين يحملان جينات مرض معين.
في حين يرى اختصاصي الطب العام د.مخلص مزاهرة، أن عامل الوراثة يختلف بكل مرض عن الآخر، فمثلاً البهاق هو مرض له استعداد وراثي الا أنه يمكن أن ينتج لأسباب أخرى بدون أن يكون هناك عامل وراثي، كذلك الصرع هو مرض لا تلعب فيه الوراثة سوى 30 % منه، فهناك عوامل أخرى قد تؤثر على الدماغ أكثر من الوراثة.
أما بالنسبة لأمراض القلب فهي لها علاقة بالوراثة، ولكن في أحيان كثيرة قد يكون الأب والأم سليمين تماماً، ويأتي الطفل يعاني من ثقب في القلب، وهذا يعود لسلوك الأم أثناء فترة الحمل وما تناولته من أدوية.
ويرى مزاهرة أن أهم مرض يجب مراعاته عند الزواج هو مرض الثلاسيميا، فهو القادر على منع الزواج لأن الضحايا سيكونون الأبناء، أما باقي الأمراض فيمكن أن تكون عادية ويمكن التعامل معها.

[email protected]