أمل والشظايا السبع

أمل والشظايا السبع
أمل والشظايا السبع

هآرتس- عميرة هاس

يوجد رقم هاتف واحد على نحو خاص، عندما يظهر عندي على الشاشة فإني عن وعي وقصد لا أرد. آخذ خمسة أنفاس عميقة وعندها أتصل من جديد. أحيانا أتريث يومين وثلاثة أيام قبل أن أرد على مكالمة زينات سموني. إذ أني أعرف بأن موضوع المكاملة الأساس سيكون الابنة أمل، ابنة الـ 11 سنة، أو الشظايا الست أو السبع التي في رأسها. في الحديث مع أمل يوجد دوما شيء جديد. حديث مع أمل، بوجهها النقي وعينيها المفكرتين، يبقى دوما معلقا في الفكر مثل كيس مملوء بالحجارة.

اضافة اعلان

قبل نحو شهر، في الحديث الرابع قبل الأخير، كان التقرير الجديد هو أن أمل تعاني من التهاب وأن الأطباء في مستشفى الشفاء في غزة وصفوا لها علاجا ما. في تقرير طبي في نيسان (ابريل) العام 2009، قال تقرير طبي من قسم الأطفال في مستشفى «شيبا» في تل هشومير إنه لا يوجد تلوث ولا توصية باجراء عملية جراحية لإخراج الشظايا. خطير جدا، قيل شفويا للجدة التي رافقت الطفلة في رحلتها التي استغرقت نحو 10 ساعات من غزة إلى تل هشومير (بما في ذلك الانتظار سبع ساعات في حاجز ايرز). ولدى الأطباء في غزة ذات الموقف.

في الحديث الثالث قبل الأخير، كان الجديد أنه ظهر في الصورة شظية قنبلة أخرى، لم يعثر عليها في الفحوصات السابقة.

في الحديث الثاني قبل الأخير تبين بأن منظمة مساعدة الأطفال (Palestinian Children Relief Foundation PCRF) تعرف هي أيضا أمل. وحسب الوثائق فإن طبيبا من جانب هذه المنظمة أوصى بعدم إجراء عملية جراحية. وسيصل فريق طبي من المنظمة إلى رام الله في أيار (مايو)، فهل سيسمح جهاز الأمن له بالدخول إلى غزة؟ ليس مؤكدا. هل سيسمح لزينات وأمل بالسفر إلى الضفة لإجراء فحص إضافي؟ هل التنغيص البيروقراطي اللازم لاجتياز 70 كيلومترا مجد فقط لسماع ذات الجواب الذي هو مثل الجواب السابق؟

في احاديث سابقة لتلك كان الكثير من الأمور الجديدة أيضا. سنة تعليمية جديدة. مع تلميذات جديدات. فهن لم يفهمن، إذ لم يعرفن، لماذا لا تلعب الطفلة مع كل الباقيات. انعدام فهمهن أعادها إلى البيت بشعور بالاهانة. وفي نظرها زاد هذا قيودها. لا تستطيع القفز، لا تركز على الدراسة. لا مفر من وجع الرأس، وألم العينين. في الشتاء برد أكثر وألم أكبر. في الصيف أكثر حرارة وألما.

الحرارة والبرد، المتعاظمان هما رفيقان دائمان لها منذ عادت العائلة إلى البيت المرمم في حي الزيتون شرقي غزة. «بيت» و «ترميم» (حدث جديد بحد ذاته) هما كلمتان مبالغ فيهما منذ البداية.

قوة من جفعاتي، احتلت الحي في «رصاص مصهور» وأقامت فيه عدة استحكامات لاطلاق النار والمراقبة، غادرته ولكن ليس قبل أن تهدم 24 منزلا، ومسجدا، واقتلعت أشجار وبيارات كانت العائلات تعتاش منها. وبقي حائطان واقفين، يبدو أن البيت الكامل لزينات لم يكن أكثر من جمع من الصفيح، الاسبست والمبنى الاسمنتي. ولكن كان فيه على الأقل ثلاث أو أربع غرف، ومطبخ وغرفة منافع.

وفي ظل انعدام مواد البناء في السوق (إسرائيل لا تسمح بدخولها إلى القطاع، والقليل الذي يصل عبر الأنفاق هو أعلى من متناول الناس العاديين)، دبر شقيق زينات شيئا ما: جمع الطوب والحديد والشجر من المنازل المهدمة، وأضاف لفائف النايلون التي وزعها الصليب الأحمر. الوصف يصعب على الخيال إذ كيف يمكن لثمانية نفوس أن تعيش الآن في غرفة واحدة معدة على عجل، مفتوحة أمام الرياح ومياه المطر وحر الصيف. كل شخص في هذه الغرفة الواحدة يعيش على طريقته، وكل شخص له كوابيسه الليلية. وكل كابوس هو جديد.

تذكير: في 4 كانون الثاني اقتحمت قوة من جفعاتي البيت الذي تجمع فيه 18 نفسا معظمهم من الأطفال، وكانت الصغيرة إبنة أسبوعين، أما رب العائلة المزارع عطية (46 عاما) فقد اقترب من الجنود وطلب الحديث معهم بالعبرية. لسبب لعله يتضح للجيش الإسرائيلي وربما لا يتضح، أطلق الجنود النار على عطية فأردوه قتيلا، من مسافة قصيرة أمام أنظار أبنائه وزوجتيه، بينهما زينات. ابنها أحمد، ابن أربعة أعوام، أصيب بالنار. سمح الجنود لهم جميعا بالخروج من البيت (من دون الجثة) والبقاء في أحد المباني في طرف الحي، ولكنهم لم يسمحوا لفرق الانقاذ بالوصول إلى الحي لمعالجة الجرحى. الابن أحمد نزف حتى الموت في 5 كانون الثاني (يناير) صباحا.

قبل يوم من ذلك، عندما خرجوا من بيتهم، فضلت أمل الذهاب إلى بيت العم. وهناك، أمر الجنود عائلته وعائلات أخرى تجمعوا عنده بالمغادرة والانتقال إلى مبنى آخر في الحي. بيت العم، من ثلاثة طوابق أصبح قاعدة عسكرية. بأمر الجنود، إذن، تجمع نحو مائة من أبناء العائلة الموسعة، بينهم أمل، في مبنى اسمنتي من طابق واحد، بجوار القاعدة المعدة على عجل لقوة جفعاتي. اعتقدوا انهم آمنون هناك. في 5 كانون الثاني (يناير) صباحا لسبب اتضح أم لم يتضح للجيش الإسرائيلي، قصف البيت ثلاث مرات. ليس معروفا إذا كانت صواريخ من الجو هي التي ضربته أم قذائف أطلقتها دبابات في المحيط. 21 شخصا قتلوا. بعض الجرحى الذين اعتبروا موتى بينهم أمل، بقوا بين الجثث على مدى بضعة أيام.

تذكير: الجيش الإسرائيلي لم يسمح للطواقم الطبية بالوصول إلى المنطقة فورا.

في الحديث ما قبل الأخير قالت زينات: «أنا أحسد من هدم فقط بيتها، وزوجها وابنها على قيد الحياة. وإذا مات زوجي وابني، فعلى الأقل البيت ما كان ليهدم». ويصف كلامها بشكل جديد ما كان معروفا.

في الحديث الأخير عادت وتساءلت إذا كانت الشظايا المتحركة هي مؤشر على أنه يمكن الآن إخراجها بعملية جراحية. مهما قال الأطباء، فإن الالتهاب يثبت بأن الجسد لا يحتملها.