أمن الضحايا ..الأولوية الغائبة

في الطبيعة  قوى  مدمرة يصعب تجنب اثارها،  وفي النفس  البشرية نوازع  للشر والعدوان لا يمكن استئصالها مهما حاولنا. وفي حين تعبر الطبيعة عن جبروتها  بالزلازل والأعاصير والفيضانات والحرائق والبراكين والاوبئة،  تظهر شرور الإنسان  وميوله للقتل والتخريب والدمار والإيذاء والسرقة من خلال الحروب والجرائم والاعتداء والتدمير.  وفي كل مرة تضرب هذه  القوى أو تتفجر رغبات الاعتداء والتدمير يكون هناك ضحايا.اضافة اعلان
لا أحد  يعرف  بدقة أعداد الضحايا  الذين يقعون في كل مرة تضرب فيها الطبيعة أو يتوحش الإنسان، ولا أحد يكترث للوقوف على عمق الأثر وجسامة التأثير الناجمين عن تعرض الافراد لاخطار هذه القوى والأفعال، رغم أننا نتوجه إلى مسارح الكوارث والزلازل والجرائم حال وقوعها ونقوم بالإسعاف والإخلاء والمساعدة  لمن نظن أنه بحاجة لها.
في بلادنا يعتبر الحفاظ على الأمن أحد أهم أولويات  الدولة ومؤسساتها المعنية،  فما إن يجري الخروج على القانون حتى  تهب الأجهزة المعنية في محاولة لضبط الجريمة وإجراء كل ما يمكن للتعرف على الجناة وإيداع الجريمة وأدلتها وأطرافها للقضاء، وبهذا يعتبر الأردن من بين البلدان  الأكثر فعالية في الضبط والإجراءات الموجهة لاكتشاف الجريمة والسيطرة على مسرحها.
وفي الوقت الذي  ينصب فيه اهتمام نظام العدالة الجنائية على الجاني والأدلة  والشهود، يعاني الضحايا الكثير من الإهمال والتجاهل، حيث تقتصر الاستجابة لمعاناتهم في الكثير من الحالات على سماع إفاداتهم والتفكير في كيفية استثمار ذلك للاستدلال على مرتكبي الأفعال الجنائية،  متناسين أن من وقعت عليهم الجرائم هم الطرف الأهم باعتبارهم الفئة الأكثر تضررا  والمنتهكة  حقوقهم  في الحماية  والأمن والكرامة.
هذا وبالرغم من التفات العالم إلى حقوق الضحايا وعقد عدة  مؤتمرات دولية وصدور وثيقة أممية تطالب دول العالم بتبني تشريعات وتدابير وإجراءات تحافظ على حقوقهم وتعويضهم وحمايتهم إلا أن أوضاع هذه الفئة لا تزال تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام. فالكثير ممن فقدوا أحباءهم نتيجة أفعال جنائية أو حوادث مرورية أو ممن وقعوا ضحايا لجرائم السطو والسرقة والإيذاء وهدر الكرامة يحملون في صدورهم مرارة وغضبا وعتبا ورغبة في الانتقام يعيق تفكيرهم ويكبل أداءهم ويحرمهم من الاستمتاع بالحياة.
استمرار النظر إلى الضحايا على أنهم شكل من أشكال الأضرار الجانبية التي لا تستدعي تدخلا وعناية أمر في غاية الخطورة  وتصرف يلقي بظلاله على الأجهزة التي تتعامل مع الجريمة وعلى الدولة وسلطاتها ودرجة إيمان وثقة الأفراد بها.
توفير الأمن والحماية للمواطن والانسان هدف يتقدم على  معظم الأهداف التي تسعى النظم إلى  تحقيقها. ومن غير الممكن أن يتحقق الامن إذا ما ساد الخوف والقلق والتوتر.  وفي كل الحالات التي ترتكب فيها الجرائم  يشعر البعض  بالتهديد وتتزعزع العلاقات القائمة في الوسط الذي تقع فيه الجرائم.
الالتفات لمعاناة الضحايا والاستجابة السريعة للتهديدات التي يتعرضون لها وتعويضهم النفسي والمادي وطمأنتهم من خلال سرعة إلقاء القبض على الجاني وصدور الأحكام العادلة والحصول على التعويض المكافئ للضرر والتعامل مع آثار الجريمة وتداعياتها أمور قد تسهم في التخفيف من معاناة الضحايا وتعيد لهم شيئا من الطمأنينة والثقة التي تحتاج لها الأجهزة والأفراد والدولة والمجتمع.
تدريب الكوادر على الاستماع للضحايا وتقديم المشورة  والدعم النفسي والاجتماعي والاعتراف  بحجم الضرر والإيذاء الذي أصابهم والتعاطف مع أوضاعهم  والإقرار بضرورة التعويض  وإشراك بعض المنظمات والهيئات المتخصصة في الرعاية والتوجيه والدعم والتعامل مع مخاوف الضحايا وتقبلها إجراءات مهمة لإعادة بناء الثقة وتبديد مخاوف الضحايا التي قد تصبح مزمنة ومرضية.