أمومة وطفولة

لم تخرج المرأة الى سوق العمل كي تتسلى أو تستعرض، بل لتحسن شروط حياة أسرتها، فتساهم في تعليم أبنائها، وتدفع قرض البنك وتسدد أقساط السيارة، وتتحمل كشريك في مؤسسة الزواج النفقات والمصاريف. كل ذلك من دون أن تعفى من مهامها كربة بيت، في حياة قائمة على التعب؛ كي لا نقول "المرمطة" بين اعتبارات الوظيفة، ومتطلبات التدبير المنزلي، وشؤون الأمومة والطفولة، إضافة إلى هذا الثالوث المرهق جداً على المدى البعيد.

اضافة اعلان

ثمة مسؤوليات وواجبات اجتماعية لا مناص منها، تضطر المرأة العاملة إلى ترك صغارها في ظروف غير مطمئنة، حيث حضانات تفتقد في معظمها الحد الأدنى من الأمانة المهنية، بدليل قيام وزارة التنمية الاجتماعية قبل شهرين فقط بإغلاق ست عشرة حضانة في مناطق مختلفة من العاصمة.

هناك فئة قليلة يمكن اعتبارها محظوظة بتوفر بديل عائلي يقوم بالمهمة كالأم أو الحماة، وفي هذه الحالة تتقلص المخاوف إلى حدود دنيا قد لا تتجاوز مشاعر الغيرة الطبيعية الخفية من تعلق الصغير بالجدة، أو القلق من التباين في أساليب التربية، لأن الجدات في العادة لا يمارسن سلطة من أي نوع، باستثناء سلطة الحنان الذي يثير شبهة إفساد الطفل بالدلال المفرط، لكنه يظل ثمناً ليس باهظاً على الأم العاملة التعايش معه.

وتلجأ معظم النساء العاملات في وقتنا الراهن إلى الاستعانة بالعمالة الآسيوية الوافدة، وللحق فإن معظم هؤلاء العاملات يبدين إخلاصاً وحرصاً على حماية الصغير، ويبرعن في أداء مهمتهن ويرتبطن بالصغار برباط أمومي وثيق يذعر بعض الأمهات أحياناً، ويدفعهن إلى الشعور بالقلق، مع أن المفترض أن يكون ذلك باعثاً على مزيد من الاطمئنان، لأن الطفل يتصرف وفق غريزته، وإذا أحب تلك العاملة، ذلك يعني أنها تغدق عليه الحب.

غير أن ذلك لا يعني أن تبالغ الأم في الاعتماد على العاملة التي تعد

 خيارا أكثر أماناً من وجهة نظري من الحضانات المتوفرة، لأسباب عديدة أهمها أن الطفل في هذه الحالة غير مضطر للخروج يومياً برفقة الأهل، مثل أي موظف مثابر في ظروف البرد أو الحر، مزوداً بسائر عدة وعتاد الطفولة..

وتعيش الأمهات العاملات تأنيباً مستمراً للذات، وإحساساً بالتقصير بسبب غيابهن القسري عن صغارهن، لكن هذا الإحساس مبالغ فيه، وبإمكان الأم العاملة تعويض ذلك الغياب من خلال الوقت النوعي الذي يخصص لرعايتهم، ولا بد من التدقيق جيداً في فكرة أن كل الأمهات المتفرغات أكثر كفاءة في الشأن الأمومي، لأن دراسات عديدة أثبتت أنهن أكثر توتراً أو عصبية في التعاطي مع صغارهن.

ومن قال إن الطفل ينبغي أن يلتصق بأمه مثل الكنغرة على مدار الساعة كدليل على الحب والاكتراث؛ الأم بحاجة إلى فسحة لالتقاط أنفاسها، كي لا تصبح نعمة الأمومة مجرد مهمة شاقة.

لابد أن نمنح الطفل فسحته الخاصة كذلك، لان الانفصال النفسي قادم بالضرورة، وتنمية مشاعر الاستقلالية والاعتماد على النفس ضروريان في بناء شخصية الطفل.

ثمة من يقول إن أبناء الأم العاملة في العادة أكثر نجاحاً في حياتهم العملية، بسبب توفر عنصر الاستقلالية في شخصياتهم في وقت مبكر، أياً كان الأمر، فإن التحية والتقدير واجبان للنساء المناضلات، اللواتي يبرعن في تحديد ملامح غد مشرق يدفعن ثمنه عرقاً خالصاً!