أمية التعليم العالي.. أيضاً

بعد أن أطلق وزير التربية والتعليم قنبلته المدوية حول المائة ألف أمي من أبنائنا في الصفوف الأساسية، خارقاً لقوالب التعامل الحكومي مع الآفات المستعصية، وتخبئة الأوساخ المتراكمة تحت أطراف السجادة، "كل الامور تمام سيدي".

اضافة اعلان

ها هو وزير التعليم العالي والبحث العلمي يطلق صاروخا أرض جو باتجاه التعليم العالي بدوره ليتحدث عن انحدار حاد في هذا القطاع الحيوي والمهم والذي هو بكل المقاييس مستقبل البلد..

فهل ما انضوت عليه شجاعة الوزيرين تدفعنا.. تدفع اياً كان للتحرك لإنقاذ ما يمكن أن ينقذ في الاتجاهين العالي والمنخفض كماً وكيفاً.

المعضلة أن معادلة الدجاجة والبيضة وأيهما قبل الآخر تقفز في كل قضايانا، فهل مستوى الجمهور الفكري وذائقته الثقافية والفنية هبط بسبب الإعلام، أم أن هذه الذائقة هي التي خلقت إعلاما يقدم ذلك المستوى.. وهنا أيضاً حيث لم نعد ندرك أيهما سبب ماذا.؟ التعليم العام ومخرجاته أدى إلى ما آل إليه التعليم العالي، أم أن الآخر هو ما أوصلنا إلى تعليم مهترئ تعوقه المناهج وكثرة تغييرها لا تطويرها.. وأنظمة التقييم والامتحانات، وتعرقل تقدمه مستويات المعلمين وتفرد القرار واستقلالية نفوذ المدارس الخاصة وغياب المؤسسية في التخطيط التعليمي والاكاديمي، ودخول البعد الاستثماري الطاغي على مبدأ الجودة في التعليم.

ولعلنا نتذكر معا كم من لجان تطوير المناهج والمؤتمرات الوطنية الخاصة بتطوير التعليم، قد شُكلَت وانعقدت وخرجت بتوصيات ونتائج ورؤى بقيت قاصرة عن مواجهة أزمة المخرجات ومستوى المنتج التعليمي في أول الأمر وتهيئة الخريج في آخره.

لا شك أن الترابط العضوي بين التعليمين هو أساس المشكلة والحل معاً، فمدخلات التعليم العالي تعتمد أساساً على مدخلات التعليم العام، فيما مخرجات الجامعات هي رصيد ووسائل مهمة ومؤثرة وجوهرية في صناعة مخرجات التعليم العام.

إن دخول قطاع من الاساتذة الذين مضوا في مشوار الحصول على الدرجة العلمية العليا التي تؤهلهم رسمياً وإدارياً للتدريس في الجامعات دون النظر إلى الامكانات والمؤهلات والخبرات والبحوث، إضافة إلى الأساليب التعليمية القائمة على التلقين وحشو الدوسيهات والملازم واستبعاد الإبداع وحرية التفكير والبحث العلمي، أدى إلى ما وصلنا إليه، وأشار له وزير التعليم العالي في قنبلته الموقوتة.

إن انتكاسة التعليمين الأردنيين العام والعالي بعد أن كانا يحتفظان بسمعة طيبة ومشهود لها في المنطقة العربية من حيث مستوى التعليم وهيبة التوجيهي الأردني الذي كان محترماً لدى العرب حتى وقت قصير، ومستويات التعليم العالي والخريجين تنذر بسلسلة أزمات مستقبلية لا تتعلق بالتعليم ومخرجاته، بقدر ما ترتبط بالمنظومة الاخلاقية المتضعضعة للمجتمع وللمستوى الاجتماعي والثقافي والذائقة الفنية والفكرية ولمفاهيم الحوار وإحترام الرأي الآخر، وحرية التعبير ونبذ كل أشكال العنف المجتمعي والأسري والتعليمي والجامعي والعشائري.

كما أن غياب الرؤية ومسابقة التتابع المتقطع الذي ما يكاد وزير يقطع مرحلة إلا واضطر لتسليم العصا لآخر فيها يغيب المؤسسية عن برامج تطوير التعليم العالي والتربية والتعليم والمناهج والامتحانات، إضافة إلى فتح المجال مهما كان متواضعا لأي شكل من أشكال البحث العلمي الذي لا نعرفه ولم يدخل معظم جامعاتنا حتى اليوم، فيما ترصد الجامعات الإسرائيلية 4 % من الناتج القومي للبحث العلمي الجاد الذي جعل من إسرائيل واحدة من اهم خمس دول في العالم على مستوى البحث العلمي، حيث تنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي والتطوير.

إن قنبلة التربية والتعليم والتعليم العالي المدوية تحتاج منا جميعا أن نقدر للوزيرين شجاعة الاعتراف بالواقع الذي دفنا رؤوسنا في الرمال سنين طويلة عنه، وأن نفكر فيها ملياً.

[email protected]

hanibadri