أمين معلوف يجمع في مغناة أوبرالية بين فرنسا وقلعة طرابلس

أمين معلوف يجمع في مغناة أوبرالية بين فرنسا وقلعة طرابلس
أمين معلوف يجمع في مغناة أوبرالية بين فرنسا وقلعة طرابلس

   بيروت - انها المرة الأولى يخوض فيها أمين معلوف عالم الأوبرا، ناسجاً على طريقة المآسي الغنائية حكاية حب مستحيل بين الأمير الفرنسي والشاعر الجوّال جوفري الذي يقيم في جنوب غربي فرنسا والكونتيسة كليمانس التي تقطن قلعة طرابلس في شمال لبنان. والنصّ الذي كتبه معلوف معتمداً مخيلته الرحبة عنوانه:

اضافة اعلان

 «الحب من بعيد» وشاهده الجمهور اللبناني مساء أمس ضمن مهرجان «البستان» واستمع الى الموسيقى التي وضعتها المؤلفة العالمية الشهيرة كايا سارياهو والى الأصوات الاوبرالية البديعة (سوبرانو، ميزو سوبرانو، باريتون) ترافقها جوقة كونسرفاتوار ستراسبورغ وأوركسترا يونغ جنسيك... وكانت هذه المغناة الاوبرالية انطلقت في العام 2000 في مهرجان سالزبورغ وما برحت في جولتها العالمية التي شملت الولايات المتحدة الأميركية. وكان تولّى اخراجها مشهدياً بيتر سلارز أحد كبار مخرجي الأوبرا في العالم اليوم.


    في هذه المغناة يستعيد أمين معلوف شخصية أمير «بلاي»، الشاعر الجوال جوفري رودل وقد عُرف بأشعاره الغزلية الجميلة التي انتشرت في القرون الوسطى. لكن معلوف يصوغ قصة حب غريبة جمعت بين هذا الأمير الشاعر واحدى السيدات الفرنسيات الجميلات الكونتيسة كليمانس التي وفدت مع الصليبيين في حملتهم الى الشرق وأقامت في طرابلس، سيدة للقلعة الشهيرة. يختار أمين معلوف اذاً القرن الثاني عشر، قرن الحروب الصليبية التي كان تناولها في كتابه المهم «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، لكنه يبتعد عن أجواء المعارك والمواجهات ليكتب مأساة صغيرة أو حميمة عاشها الأمير الفرنسي والكونتيسة وقد فصلت بينهما مسافات بعيدة، هي نفسها التي تفصل بين مقاطعة أكيتين الفرنسية وقلعة طرابلس. إلا أن هذا الحب الذي وقع بينهما من بعيد، ساعد في حبكه «المسافر» الذي حجّ الى الشرق وظل يقصده ناقلاً غزليات الأمير الى الكونتيسة وأشواق الكونتيسة الى الأمير.   انها حكاية شبه خرافية مثل حكايات «ألف ليلة وليلة» و«تريستان وأزولت» و«روميو وجولييت»... فالحب الغامض هذا سيدفع الأمير الى الابحار نحو لبنان مواجهاً الأخطار الكثيرة، لكنه سيمرض على متن السفينة ويُحمل الى طرابلس محتضراً على محفّة ولن تنقذه من الموت رؤية الكونتيسة، هذه الحبيبة التي طالما حلم بها وكتب لها الأشعار. لكنه مات سعيداً حتماً لأنه رأى المرأة التي كان يشك في وجودها معتبراً اياها طوال تلك الأيام طيفاً من الأطياف التي تراود مخيلة صديقه المسافر. أما الكونتيسة فتصاب بالأسى الشديد وتعلن انها ستعتزل الحياة وتتشح بالأسود وتقول في الختام: «انني أرملة رجل لم أتزوّجه».


    اعتمد أمين معلوف لغة فرنسية شعرية، تنساب انسياباً وتتصاعد غنائياً لتعبر عن هذا الحب الأليم، المحفوف بالسحر والشوق والحنين الغامض. وبدا نصّه الأوبرالي على قدرٍ من الكثافة وخالياً من الحواشي وقد نسجه على منوال النصوص الأوبرالية موزّعاً الحوارات بين الشخصيات الثلاث والكورس الذي كان له حضوره الخاص، درامياً وغنائياً. وبدا معلوف كأنه تخلّى عن فعل السرد التاريخي الذي عرف به في أعماله الروائية مولياً اللحظة الشعرية كبير اهتمام. فالشعر وحده هنا قادر على التعبير عن أحوال الحب الممزوج بالألم والبُعاد: «شعرها فاحم وناعم لا تبصره في عتمة الليل، بل تسمعه كحفيف الأغصان» هكذا يتحدث «المسافر» عن الكونتيسة.


    تعرّف اللبنانيون في المغناة الأوبرالية التي شاهدوها في مهرجان «البستان» على وجه آخر من وجوه أمين معلوف، الروائي والمؤرخ والصحافي. وقد أضفت الموسيقى والأصوات المنفردة والأداء الجماعي جوّاً احتفالياً وطقسياً بديعاً على حكاية الحب الأليم هذه. ولعل نجاح معلوف في هذا الحقل (الأوبرا) دفع المؤلفة الموسيقية كايا سارياهو الى التعاون معه في كتابة مغناة أوبرالية جديدة ستقدم في العام 2006.