أم فخري: ستينية تسقي الارض عند الفجر وتخبز الصاج في العصر

أم فخري الستينية تخبز الخبز على الصاج في المزرعة -(الغد)
أم فخري الستينية تخبز الخبز على الصاج في المزرعة -(الغد)

حلا أبو تايه

الأغوار- آذان الفجر لا ينذر أم فخري للصلاة فحسب، وإنما ببدء يوم طويل من العمل، لاينتهي الا عند آذان العصر في اليوم ذاته.اضافة اعلان
تصلي أم فخري ركعتي الفجر، وتدعو بعدها بتيسير الرزق وأن ينعم الله عليها بالصحة حتى تقوم بعملها الذي يتطلب المشقة على أكمل وجه، وما إن تنتهي من مهام المنزل، حتى تخرج وتستقل الباص باتجاه المزرعة؛ حيث تعمل منذ سنوات عدة.
أم فخري، المرأة الستينية التي اكتسبت بشرتها السمرة من شمس الأغوار، تعمل في زراعة أرض أحد المالكين مقابل الحصول على ربع إنتاج المزرعة، وما إن تصل إلى المزرعة حتى تقوم بتفقدها وما تحتاجه من ري أو تعشيب.
وبخفة الفتاة العشرينية، تتحرك اﻷرملة الستينية أم فخري بسرعة ورشاقة بين غلال المزرعة تتفقد ما نضج منها لتستعين بأطراف ثوبها الأسود لجمع مايمكن جمعه من القطاف الناضجة خلال جولة التفقد تلك.
وأثناء جولتها الصباحية، تتناول أم فخري حبة ناضجة من البندورة تمسحها بطرف ثوبها من التراب العالق بها فتأكلها وهي تناظر وضع الأشتال المجاورة.
أم فخري تمكنت من عملها في المزرعة من الإنفاق على تعليم بناتها وتوسعة منزلها في منطقة غور الصافي، ولايقتصر عملها فقط على زراعة الأرض وتفقد المحصول، وانما تقوم بتوجيه الارشادات لابنها الذي يعمل معها في المزرعة فتصرخ له من بعيد لتشغيل مضخة المياه أو إغلاقها حسب الحاجة التي تقدرها هي.
أم فخري تعلمت الزراعة منذ الصغر من والدها حينما كانت تساعده في عمله بالمزرعة، فهي تزرع مختلف أصناف الخضار من بندروة وكوسا وباذنجان وفاصولياء وغيرها.
وفي أحيان كثيرة أم فخري تفترش جانبا من أرض المزرعة وتضع عليها الصاج والعجين استعدادا لعمل أرغفة الشراك التي تتميز بها بين نساء المنطقة وتبيعه حسب الطلب.
وتجلس أم فخري في ساعة الصباح الباكر أمام صاجها وحطبها لرق العجين تارة وتدويره تارة أخرى دون أن تغفل عن تفقد نار الصاج لتزيد الحطب أو تقلله تبعا لدرجة الحرارة اللازمة.
ثم بعد ذلك تفرد دوائر العجين براحة يديها المخضبتين ببواقيه بعد أن ترش عليه نثرات من الدقيق حتى تساوي دائرة العجين مساحة الصاج.
وترمي أم فخري العجين الجاهز على الصاج الساخن الذي ينتظر بشغف تحميره فتظهر الفقاعات على العجينة المحمرة إيذانا بنضج الرغيف.
وتنتقل أم فخري وقد اختلط ثوبها الأسود ببياض الدقيق إلى خبز رغيف آخر غير آبهة بحر شمس الأغوار ولهيب الصاج فلقمة العيش تتطلب تحمل الضنك.
وتشغل أم فخري معظم حواسها أثناء جلوسها بالركن المخصص للخبز، فهي تسمع صوت مضخة المياه وتراقب بعينيها اللتين أحاطتهما تجاعيد السنين سير العمل في المزرعة وتدلها رائحة الخبز على نضجه وتتذوق قطعا من خبزها مع كأس من الشاي المعد على الحطب استعدادا لدورة عمل جديدة اعتادت على رتابتها كل يوم.
وتتمنى أم فخري أن يرزقها الله "وحدة زراعية صغيرة" لتجعل منها جنة، لكنها تصرّ على ان "عملها هذا وإن كان شاقا، إلا أنه كفاها شر سؤال الناس".

[email protected]