أم محمد.. موظفة حكومية تعيش في دوَّامة لا متناهية من الفقر

مغسلة متهاكلة ضمن مقتنيات بيت أم محمد - (الغد)
مغسلة متهاكلة ضمن مقتنيات بيت أم محمد - (الغد)

سماح بيبرس

عمان- بعد فشل محاولتها بتدبير شؤونها المالية الشهر الماضي، لجأت أم محمد التي تعمل كمراسلة في إحدى المؤسسات الحكومية إلى زملائها في العمل لإنشاء جمعية شهرية كانت هي صاحبة فكرتها حتى تخرج من أزمتها "ولو لحين".اضافة اعلان
دينار أسبوعيا ما يدفعه كل موظف عن كل سهم يريد الاشتراك به، ليستلم عندما يحين دوره بداية الأسبوع 54 دينارا، فيما  يشترك في الجمعية 13 موظفا.
الجمعية التي تنتهي في تموز(يوليو) من العام المقبل، تسمح بأن يشارك الشخص بأكثر من سهم، على أن أم محمد تؤكد أن أكثر موظف اشترك في الجمعية كان بـ5 أسهم (5 دنانير).
رغم تواضع المبلغ، إلا أن الجمعية، وفق أم محمد، ساعدتها على الخروج من مشكلة لم تكن لتحلها بالوضع الطبيعي.
بابتسامة خجولة، تقول أم محمد "احتجت إلى  25 دينارا لتصليح شاشة التلفاز في ذلك الشهر، ولم يكن لدي القدرة لدفع هذا المبلغ حيث سيشكل عبئا إضافيا علي، فقمت باقتراح فكرة الجمعية وأن أكون أول المستلمين".
توزيع الجمعية، وفق أم محمد، يكون بحسب الموظف الأكثر حاجة للمبلغ في ذلك الأسبوع، فالموظفون لديهم التزامات عديدة قد تساعد الجمعية في تغطية جزء منها.
في كل أسبوع وكل شهر، تحاول أم محمد تدبر أمورها المالية، وتخترع الطرق والأساليب التي تساعدها على إيجاد حل "ولو مؤقت" لمشاكلها المالية "التي لا تنتهي"، إلا أن كل هذه المحاولات لم تنجح في إخراجها مما تعيش به.
تعيش أم محمد في منزل بسيط مكوّن من غرفتين ومطبخ وحمام خارجي، في المنطقة الصناعية الكائنة في ماركا الشمالية.
يفاجئك حال أم محمد عند زيارتها، فكل ما يوحي به ما حولها هو الفقر سواء بالمنطقة التي تقطنها أو بهيئة منزلها من الداخل والخارج.
راتبها الحكومي يقدر بـ350 دينارا، تدفع منه 180 دينارا قسطا لقرض اقترضته قبل عامين من البنك، ليبقى لها 170 دينارا تصرف منها على أسرة مكونة من ابن شاب (13 عاما) وطفلة لم تتجاوز الـ6 سنوات وزوج لا يعمل معظم الأيام.
قد تكون أم محمد أفضل من غيرها وهي بعيدة عن تصنيفات الحكومة في أن تكون ضمن الطبقة الفقيرة، إلا أنها موظفة بقطاع حكومي تعيش حياة الفقر رغم راتبها ووظيفتها وكل شيء قد يوحي أنها جيدة، لكن الحقيقة هي أن حياتها ليست جيدة وبعيدة كل البعد عن هذا المصطلح.
قد تكون أم محمد ضمن ما يسمى بـ"الفقراء العابرين"، وفق المصطلحات الدولية، وهم أولئك الذين يختبرون الفقر لفترة 3 أشهر في السنة أو أكثر، وهم يشكلون من المجتمع الأردني اليوم أكثر من 18.6 % وفق تصنيفات البنك الدولي.
ووفق تصنيفات الحكومة، فإنّ أم محمد تصنف ضمن "الطبقة الوسطى الدنيا فبينها وبين خط الفقر المطلق 16 دينارا فقط؛ حيث تشير دراسة الفقر الأخيرة التي تعود الى العام 2010 الى أن خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) يبلغ 813.7 دينارا للفرد سنويا؛ أي ما يعادل (366) دينارا شهريا للأسرة المعيارية (5.4) أفراد، بينما كان (680) دينارا للفرد سنويا العام 2008 أي ما يعادل (323) دينارا شهريا للأسرة المعيارية (5.7) أفراد.
الخبير الاقتصادي وزير الاقتصاد سابقا، سامر الطويل، أكد أنّ موظف الحكومة كان حتى التسعينيات يعد من الطبقة الوسطى وكان يسكن في عمان الغربية ويرسل أبناءه الى أفضل المدارس، على أنّه وباستثناء الرتب العليا بات موظف القطاع العام من الطبقات المتدنية الأقرب الى خط الفقر، مشيرا الى أنّ جزءا كبيرا من موظفي القطاع الخاص أيضا خصوصا صغار الموظفين شأنهم شأن موظفي القطاع العام.
وأوضح الطويل أنّ مثل هذا الهبوط في مستوى معيشة الموظف العام سببه ارتفاع تكاليف الحياة الذي لم يرافقه تحسن في الرواتب على عكس القطاع الخاص الذي يقوم على منافسة الكفاءات وزيادة الرواتب مع زيادة تكاليف المعيشة.
ويحذر الطويل من أنّ تراجع مستوى معيشة الموظف العام بات يؤدي الى ظواهر غير مألوفة في مجتمعنا كمظاهر "الفساد الصغير" والعمل بمهن أخرى غير المهنة الرئيسية التي يعمل بها.
وتقدر نسب الفقر في الأردن بـ14.4 % في العام 2010 مقارنة بـ13.3 % في 2008، ولولا التدخلات الحكومية مثل تحويلات صندوق المعونة الوطنية والتحويلات الحكومية المختلفة، لكانت هذه النسبة قد وصلت الى 17 %.
ورغم أن البنك الدولي يرى أن نسبة الفقراء في الأردن ما تزال "منخفضة"، إلا أنه يتوقع في تقرير أخير أن يكون ثلث السكان معرضين لأن يقعوا ضمن خط الفقر خلال سنة؛ إذ يؤثر ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل بشكل كبير على الخُمْس الأدنى من الأسر المعيشية.