أنا مؤلف إعلانات.. وأنا متأكد أن الذكاء الاصطناعي سيأخذ وظيفتي‏

الذكاء الاصطناعي يجيب عن الأسئلة ويؤلف المحتوى - (المصدر)
الذكاء الاصطناعي يجيب عن الأسئلة ويؤلف المحتوى - (المصدر)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ‏هنري ويليامز‏* – (الغارديان) 24/1/2023تحولت تسليتي إلى رعب حقيقي: استغرق الأمر من برنامج “تشات جي بي تي” ثلاثين ثانية فقط لكي ينشئ، مجانًا، مقالًا تستغرقني كتابته ساعات‏. وقد أظهر التاريخ أنه عندما حلت التكنولوجيا محل البشر، ابتكرنا أغراضًا جديدة لأنفسنا. ولكن، في سعيه الأبدي إلى تحسين الذات، هل ثمة خطر من أن الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق علينا باستمرار من خلال جعلنا فائضين عن الحاجة بسرعة أكبر من التي يمكننا بها إعادة تعريف أدوارنا؟ إذا أخذنا الصناعات الإبداعية كمثال، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح يحل بالفعل محل المجاميع في الأفلام، وكُتاب الأغاني ورواة الكتب الصوتية.‏ * * * ‏ ”أكتُب مقالاً عن ’ما بوابة الدفع‘”؟ هكذا كتبت مؤخرًا في نافذة لتطبيق “تشات جي بي تي” ChatGPT. وانخرط هذا التطبيق، مولِّد الكتابة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، سريعًا في العمل.‏ كانت النتيجة مدهشة ومثيرة للإعجاب. بالتأكيد، كانت النغمة غير بشرية، والبنية معقدة مثل مقال جامعي، لكن النقاط الرئيسية والقواعد وبناء الجملة كانت كلها صحيحة ودقيقة تماماً. وبعد قليل من التحرير، كان الناتج مقبولاً تمامًا كمقال محتوى برعاية، مصمم لحشد العملاء المحتملين لمزود برمجيات -مقال مثل ذلك الذي كنتُ قد قضيت للتو، كمؤلف إعلانات محترف، ساعات في كتابته.‏ ‏‏ وسرعان ما تحولت تسليتي إلى رعب: لقد استغرق الأمر من “تشات جي بي تي” ما يقرب من 30 ثانية لإنشاء مقال، مجانًا، عادة ما أتقاضى عنه نحو 500 جنيه إسترليني. وليس برنامج الذكاء الاصطناعي مثاليًا بأي حال من الأحوال -حتى الآن. ومع ذلك، بالنسبة للشركات والأعمال التجارية التي تعتمد على إنتاج رزم سريعة وغير متقنة من الوثائق الجديدة بلا تحرير، فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التفكير، أليس كذلك؟‏ بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية ببرنامج “تشات جي بي تي”، اسمحوا لي أن أشرح. “تشات جي بي تي” الذي قامت بتطويره شركة “أوبن إيه آي” OpenAI، هو روبوت محادثة قائم على الذكاء الاصطناعي، تم تدريبه على التفاعل مع المستخدمين بطريقة طبيعية. وعلى عكس نماذج اللغة التقليدية، يمكن لـ”تشات جي بي تي” تعلُّم إنشاء ردود من دون تعليمات صريحة حول الإجابة الصحيحة. ويمكن للمستخدمين أن يطلبوا منه أي طلب -من “حدثني عن ووترغيب” إلى “اكتب مقال رأي عن أخذ ’تشات جي بي تي‘ وظيفة شخص ما- وسوف ينتج “تشات جي بي تي” ردًا. وإذا قمت باختباره من خلال مدقق انتحال، فسوف تكتشف أن هذا المحتوى فريد بنسبة 100 %.‏ طلبت من “تشات جي بي تي” كتابة نسخة من هذا المقال. وإليكم الكيفية التي افتتح بها قطعته: ‏ “‏بصفتي مؤلف إعلانات، أمضيت سنوات في شحذ حرفتي وإتقان قدرتي على صياغة مادة ملفتة ومقنعة. ولكن الآن، يبدو أن وظيفتي معرضة لخطر الاستيلاء عليها من قبل ’تشات جي بي تي‘، وهو نموذج لغوي كبير قامت بتدريبه ’أوبن إيه آي‘”. يعترف المطورون بأن البرنامج ما يزال يعاني من محدوديات. إنه يميل إلى الإسهاب والتكرار (“شحذ حرفتي وإتقان قدرتي على صياغة”)، ويمكن أن تشكل التغييرات الطفيفة في صياغة الأسئلة الفرق بين استجابة مذهلة وعدم الاستجابة على الإطلاق. ومع ذلك، كلما استخدمناه أكثر، أصبح البرنامج أفضل. وكما أخبرني “تشات جي بي تي”، فإنه يستطيع بالفعل “تكرار أساليب الكتابة للمؤلفين المختلفين” و”حتى أن يتم تدريبه على تقليد نغمة وصوت علامة تجارية أو مؤسسة معينة”.‏ أنا لا أدعي أي امتلاك قدة استبصار متفوقة، وإنما مجرد إدراك لحقيقة أنه إذا تمكنت شركة من تحسين أرباحها النهائية عن طريق خفض التكاليف في سلسلة التوريد الخاصة بها، فإنها ستفعل. ومن المؤكد أن أي ارتباط عاطفي بالمحتوى الذي أنشأه الإنسان سيتم تجاوزه بسرعة، على ما أظن، من خلال تشغيل الحجة الاقتصادية. فبعد كل شيء، يبقى الذكاء الاصطناعي عاملاً فائق السرعة، لا يأكل أو ينام أو يشكو أو يأخذ إجازات.‏ ‏ على المدى القريب، ستظل هناك حاجة إلى الكتاب والمحررين، وإنما عدد أقل منهم. وسوف يدفع إنسان واحد الذكاء الاصطناعي إلى توليد جبال من الوثائق، ويتدخل مرة أخرى فقط للتحقق من الحقائق، والتعديل والموافقة. ولكن، كم من الوقت سيمضي قبل أن يتعلم النموذج اكتشاف الفرص التجارية، وتوليد الأفكار، ووضع محتوى مثالي على الهواء مباشرة من دون أي تدخل بشري؟‏ ما الذي سيعنيه هذا بالنسبة لك؟ ‏‏تتوقع مؤسسة‏‏ “برايس ووترهاوس كوبر” أن الذكاء الاصطناعي سينتج دفعة قدرها 15 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030. رائع، لكنها تتوقع أيضًا أن 3 % من الوظائف ستكون معرضة بالفعل للخطر من الذكاء الاصطناعي. وبحلول منتصف العام 2030، ستقفز هذه النسبة إلى 30 % – 4 % بين العمال ذوي التعليم المنخفض. وهذا عدد كثير من الأشخاص الذين سيحتاجون إلى “تحسين المهارات”، أو إعادة التدريب أو التسرب من القوى العاملة.‏ ‏ لقد أظهر التاريخ أنه عندما حلت التكنولوجيا محل البشر، فقد ابتكرنا أغراضًا جديدة لأنفسنا. ولكن، في سعيه الأبدي إلى تحسين الذات، هل هناك خطر من أن الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق علينا باستمرار من خلال جعلنا فائضين عن الحاجة بسرعة أكبر مما يمكننا إعادة تعريف أدوارنا؟ إذا أخذنا الصناعات الإبداعية كمثال واحد، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح يحل بالفعل محل مجاميع الأفلام، وكُتاب الأغاني ورواة الكتب الصوتية.‏ اقترح بعض المراقبين أن إدخال “دخل أساسي شامل” (UBI) -تدفعه الثروة التي يتم توليدها من الذكاء الاصطناعي- هو أفضل رهان للمستقبل. في مقالته “‏‏قانون مور لكل شيء‏‏”، ادعى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن تدفع ما يكفي من الناتج الاقتصادي لدفع 13.500 دولار لكل شخص بالغ في الولايات المتحدة سنويًا، مع خفض تكلفة السلع والخدمات بشكل كبير.‏ ‏ لكن العمل ليس مجرد مسألة دخل. إنه، بالنسبة للكثيرين، مسألة معنى. وبعيدًا عن الروبوتات الاستبدادية والبطاريات البشرية التي نراها في الخيال العلمي، فإن المشكلة الحقيقية التي قد نضطر إلى التعامل معها هي استشراء وباء انعدام الغاية. وحتى عندما لا يترافق مع الحرمان الاقتصادي، فإن عدم وجود هدف يمكن أن يسهم في نشر الاكتئاب والقلق والإدمان.‏ الآن، شرعت الحكومات في العمل مسبقًا على تطوير استراتيجيات للتعامل مع هذا التحول الزلزالي في سوق العمل، لكنني أحث الأفراد على فعل الشيء نفسه. وسوف أعمل أنا على ذلك بالتأكيد. كما هو الحال مع أي تقنية ثورية، ثمة الكثير من الجدل الذي ينشأ حول الكيفية التي يعيد بها الذكاء الاصطناعي تشكيل حياتنا بالضبط في العقود المقبلة، ولا توجد مساحة كافية لتحقيق العدالة في كل منظور هنا. لكنّ هناك شيئًا واحدً مؤكدًا: التغيير قادم، وأولئك الذين يعتنقون هذا التغيير ويتكيفون معه سيكونون في وضع أفضل للازدهار.‏ ‏أو كما يقول “تشات جي بي تي”:‏ “المفتاح هو إيجاد التوازن الصحيح بين استخدام التكنولوجيا وشحذ اللمسة الإنسانية. إن كتابة الإعلانات هي فن وتتطلب الإبداع والتعاطف وفهم الجمهور المستهدف. لذلك، لن يأخذ ’تشات جي بي تي‘ وظيفتي، لكنه سيكون شريكي لإنشاء نسخة أكثر تأثيرًا وإقناعًا”.‏ ‏ لكنه سيقول ذلك، أليس هذا هو الأمر؟‏ *هنري ويليامز Henry Williams: كاتب مستقل من لندن يكتب عن الثقافة، والمجتمع، والشركات والأعمال التجارية الصغيرة‏. *نشر هذا المقال تحت عنوان: I’m a copywriter. I’m pretty sure artificial intelligence is going to take my job. اقرأ المزيد في ترجمات اضافة اعلان

نظام القرن الحادي والعشرين