أنا والحربُ وأم مايكل

نادر رنتيسي الحرب النووية باتت على العتبات، وأقصر من المسافة بين مذيعين على الهواء، كان هذا اجتهاداً مني ومن جارتي أم مايكل، بعد أن شاهدنا على هاتفها المكسور، الرئيس الأشقر يظهر داخل الكنيسة وخلفه مرافقه يحمل كرة القدم النووية في حقيبة مرمّزة، أثناء ذهابه لتأدية واجب العزاء. طريف هذا الرئيس، فقد اختار التهديد النووي على وقع موسيقا مهيبة في جنازة صديقه اليميني المتطرف، وكأنه ممثل مصري على المسرح الكوميدي، قال في لحظة جِد نادرة: "كلنا هنموت". صحيح أني في شبابي المبكر تبجحتُ على طاولة مهتزة بأني لا أخشى الموت، بل تحديته في إحدى الكتابات البائسة، أن أترك له باب الشقة موارباً، لكني الآن في شبابي المتأخر، لا أستطيع إخفاء رعشتي وأمور أخرى لا إرادية، وأنا أرى التراشق النووي بين الشرق والغرب، خفيفاً كأنه كرة شاطئية. حاولتْ جارتي أم مايكل تخفيف أعراض رهاب الموت، فقالت بفروسية إن النووي سيستهدفهم، وأشارت إلى عنقها شبه الحمراء المُشبعة بالعِرق الاسكندنافي.. وقالت شيئاً غير مفهوم، حسبته وعداً منها بأن تفديني. لكن يا جارتي الطيبة، هذه حرب أفظع ما فيها الأخطاء، فهل تضمنين لي عدم سقوط قنبلة ذكية بخطأ بشري غبي، وانشطارها فوق مدينتي التي تتميز (للأسف) بموقعها الاستراتيجي، ثم هل لديك معلومات مؤكدة أن لا دولة نووية، في موقعنا الاستراتيجي بين الشرق والغرب، ستدخل الحرب إن صارت مونديالاً عالمياً. لم ترد أم مايكل بل لاحظتُ انتقال علامات رهاب الموت إلى عنقها المشبعة بالعِرق الإسكندنافي، وصار مطلوباً مني أن أطمئنها، كأن أقول شيئاً غير مفهوماً، علها تظنه وعداً مني بأن أفتديها. أنا يا أم مايكل والحديث للجميع، لستُ مستعداً للموت، وما تعتقدين أنها علامات رهاب على عنقي المشبعة بالعرق العربي، هي دلائل على توتر طالبٍ يخشى ألا يكفيه الوقت المحدد للإجابة عن أسئلة الامتحان النهائي. عدّي على أصابعك: عليّ دين كبيرٌ للبقال، فقد كنت أسرف بشراء الخضراوات التي تم تحميلها كل أسباب إطالة الحياة، وهذا يعني أن روحي ستظل معلقة ومرهونة. أخبرتني عرافة أني سأهنأ في الحياة كلما تقدمتُ في العمر، وهكذا أمضيتُ شبابي المبكر منتظراً شبابي المتأخر. لن تسع أصابع يديك يا أم مايكل كل الأسباب التي تجعلني متوتراً مع سيرة الموت النووي، وراجفاً مثل تارك الصلاة. لهذا تجدينني أستعير هاتفك المكسور كل صباح بحثاً عن خبر سعيد بالتوصل إلى اتفاق سلام، ووقف دائم لإطلاق النار، علّ الله يهدي الرئيس الأشقر، فيضع حقيبة الكرة النووية فوق "السدة"، أو يرميها (برفق) في نهر "ينيسي". لكن لا شيء ينبئ بذلك، بل إن التصريحات المتوعدة بين الشرق والغرب تتساقط على موقعنا الاستراتيجي، كالأخطاء المقصودة. سأحفظ وصيّتكِ في قلبي يا أم مايكل إن كُتبتْ لي النجاة، أما إن كُتبت لكِ، فأرجوكِ أن تخبري "ربعي" ألا يذكروا محاسني، فلم يُسعفني الشباب المتأخر أن أصنع محاسن لخاتمتي. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان