أنا والخوف أردنيّان!

استولى موضوع أموال الضمان الاجتماعي على اهتمام شريحة اجتماعية واسعة، وسيطر على لقاء رئيس الوزراء (أول من أمس) بمجلس النواب، وهو يحاول – بمساعدة من وزير العمل- تخفيف هواجس النواب من وجود "مخطط حكومي" للتدخل في استثمارات الضمان وأمواله التي وصلت إلى 9 مليارات دينار أردني!اضافة اعلان
أثار الشكوك – هذه المرة- وجود قرارين متناقضين لديوان التشريع حول القرار الاستثماري في الضمان، فيما إذا كان من صلاحيات الصندوق أم مجلس إدارة الضمان، لكنّها ليست شكوكا جديدة، فهنالك هواجس قديمة أعيد فتحُها في الجدل الذي حدث حول باسم عوض الله (وزير التخطيط الأسبق، ورئيس الديوان الملكي الأسبق) ووجود مشروع مسبق لديه باستثمار أموال الضمان في البورصات العالمية، وهو ما نفاه الرجل، وردّ عليه الوزير الأسبق أمجد المجالي مؤكّداً الواقعة!
على أيّ حال المثير في الموضوع، فعلاً، وبحاجة إلى تحليل ودراسة معمّقة، ذات أبعاد مختلفة، هي متلازمة الخوف لدى الأردنيين، التي عبّر عنها بصياغة جميلة، الصديق إبراهيم غرايبة بـ"أنا والخوف أردنيّان"، وهو خوفٌ يكادُ يكونُ أزليّاً (على حد تعبير الصديق فهد الخيطان)، فنحن – الأردنيين- مسكونون بـ"الفوبيات" (أي المخاوف)؛ الخوف من الوطن البديل، من المستقبل، على بقاء الدولة واستمراريتها،..، واليوم كل ما له علاقة بالمستقبل محكوم بـ"لا يقين أردني" وشكوك عميقة، وليس مصادفة أنّ "نظرية المؤامرة" لها سوق رائجة لدى الأردنيين!
المفارقة أنّنا نحن – الخائفين- صمدنا، بينما كل ما حولنا ينهار، وتجنّبنا كوارث كبيرة، والدولة المشكوك بمستقبلها هي الأكثر استقراراً وتماسكاً، مقارنةً بما يحدث في المنطقة، فلماذا هذه المخاوف الساكنة في قلوبنا دوماً؟!
بالضرورة، لو قفزنا إلى اللحظة الراهنة، فإنّ ما يحدث في المنطقة من ويلات وكوارث من الطبيعي أن يثير المخاوف على المستقبل، وتزاوج ذلك مع الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة في الداخل، مع محدودية فرص العمل، يعزز الشعور بالقلق، مع ضعف الثقة بمؤسسات الدولة والفجوة الواضحة بمصداقيتها لدى الشارع الأردني، مما أصبح عاملاً يخلق بوضوح حرص شريحة اجتماعية واسعة، من أبناء الطبقة الوسطى والعليا في البلاد، على الحصول على جنسيات أخرى، كندية واسترالية وأوروبية وأميركية، ما وصل إلى نسبة مرتفعة غير مسبوقة – وفق بعض المؤشرات- في تاريخ الأردن!
مع كل ذلك من الضروري أن نسجّل هنا أنّ هذه الحالة أقرب إلى "المَرَضية"، أي فوبيا الخوف، وليست منطقية، ومبالغ فيها، وتعكس شعوراً مأزوماً بعلاقة المواطن بوطنه، ولا أقصد هنا القلق على أموال الضمان، فهو أمر طبيعي، ومن الضروري أن يقوم مجلس النواب بدوره بالرقابة على الحكومة، ولكن ما  أعنيه هو الخوف من كل شيء، والشكوك حول مستقبل الدولة واستقرارها!
مرض الخوف هذا يعكس مشكلة ثقافة سياسية كبيرة لدى الأردنيين، لأنّ ثقتهم بمستقبل وطنهم – بغض النظر عن الموقف من السياسات الحكومية- من المفترض أن تكون أكبر بكثير، فالأردن اجتاز محطات وجودية أخطر مما نمر به اليوم، ولأنّ إيمان الإنسان بمستقبله في وطنه من المفترض ألا يكون مرتبطاً بالظروف والتطورات!
يركّز فرانسيس فوكوياما في كتابه "النظام السياسي والانحطاط السياسي" على دور المؤسسات السياسية، وأعتقد أنّ قوة هذه المؤسسات سياسياً وإعلامياً والثقة بها تلعب دوراً كبيراً ومهماً في نشر حالة الاطمئنان والثقة بدلاً من الخوف والشكوك والعكس صحيح.