"أنا يوسفُ يا أبي"!

أنا يوسف يا أبي؛ ما أكلتُ رغيفَ أحد، ولا شُغفتُ بامرأةِ أحدٍ، ولا شربتُ خمرَ أحد! لكنهم إخوتي يا أبي استطابوا لعقَ دمي، وأن يُحدّقوا في جراحي. أنا يوسف الذي نام في العراءِ خمسينَ خريفاً، وأنا الذي بنى بيتاً تحتَ كلِّ غيمةٍ .. فأضاعهُ كلَّ شتاء!

اضافة اعلان

أنا الدم المطلول على جبهةِ كلِّ شارع! أنا يوسفُ المخذول، ما رآني سيّارةٌ ولا اكترثَ بي رُعاة!

حَدِّق طويلاً يا أبي، وإنْ بعينينِ غيرِ مُبصرتينْ، ستُبصرني! لا رطوبةَ القبو، أو الجُبِّ، ولا قصر العزيزِ غيَّرت في ملامحي....

ها إنّي، أُنظر، أُشبهُ عوداً من الوهجِ!! وها إنّي، أطْولُ منَ النخلِ حين أمشي في شارعِ النخل!

أتعثرُ في الطريق إلى بيتك يا أبي، برداءٍ مقدودٍ من دُبرٍ ومن قُبلٍ ومن كل الجهات. وبأكمامٍ تقطرُ أسئلة: لماذا إخوتي لا يحبونني، يا أبي؟ لماذا تركوني على عتبةِ البيت خمسينَ صيفاً موجعاً! ألأنني حينَ أمشي تخرمشُ جبهتي السماءَ ويحكُّ شعريَ الخشن ملاسة الغيم! ألأنني ساحر العينين، فاتن الطلّة، أجمل إخوتي، وأعلاهُم قامةً وأطولُهُم للغمام! ألأنني أجملُ أبنائك، وأرقُّ العالمين!

ما كان القبو موحشاً يا أبي، ولا سجن العزيز أقسى من النوم على فراش إخوتي الكارهين. لكنَّ عينيك، هما ما كان يُؤرق وحدتي، ويقضُّ ضجعتي على الحجارة القاسية. ما كنتُ أطول أُهدْهِدُ دمعك يا أبي!! ما كنتُ أطولُ، أقولُ لك آلِفْ الذئبَ يا أبي، فهو مخلصٌ وصديق. وما الذي على القميص دمي، يا أبي، بل أمنيات إخوتي الكارهين. وها إني، رغم ما مشيتُ في الطريق إلى بيتك يا أبي، ما زلتُ بساقين تقويان على حملي وحملك انظُر، ها إنَّ النخلَ في شارعِ النخل ينحني إجلالاً وتأدُباً.

وها قميصي يا أبي، علِّقْهُ على حبلِ غسيلنا، ترتدُّ البلادُ مُبصرةً ولو بعدَ حين!

[email protected]