أنصار الأسد "الشرفاء"!

لا بد أن يصدمك انحدار مستوى خطاب المعارضة السورية لا بحق نظام الأسد، بل بحق بعضها بعضاً، في وقت يُقتل فيه المواطنون السوريون بالمئات يومياً ليبلغ القتلى عشرات الآلاف منذ اندلاع الثورة، فيما يغدو المحظوظ بينهم نازحاً أو لاجئاً لا يلوي على شيء!اضافة اعلان
فعلى سبيل المثال فقط، ومع انعقاد المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية في دمشق، في أيلول (سبتمبر) الماضي، قرر عدد من "معارضي الخارج" أن اعتقال القيادي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، د. عبدالعزيز الخيّر، من قبل نظام الأسد عشية المؤتمر، ليس سوى مسرحية مفضوحة، تهدف إلى إسباغ المشروعية والجدية على أنشطة "الأعداء" من "معارضي الداخل"! وإذ طال الاعتقال أمداً افتضحت معه المسرحية المفضوحة ذاتها، فقد كشف/ قرر أحد معارضي الخارج أن د. الخيّر التقى رفعت الأسد خلال زيارته الأخيرة لفرنسا؛ وكأنه بذلك يبرر لنظام الأسد اعتقال الخيّر وتعذيبه!
على الطرف الآخر، وإضافة إلى البذاءة، وليس أقل من ذلك، التي يصف بها بعض رموز معارضة الداخل ومواقعها الإلكترونية "الأعداء" من معارضة الخارج، يعلن أحد رموز معارضة الداخل عن النية لتحريك دعاوى تتعلق بارتكاب جرائم حرب من قبل ثوار يتلقون الدعم من معارضة الخارج. فأي خدمة أجلّ تقدم لنظام الأسد، الأب والابن، الذي فاق بمجازر الحرب التي ارتكبها طوال عقود كل خيال؟! وأي أولوية هذه إن صح ارتكاب مثل هذه الجرائم، علماً أن كل المنظمات الدولية لم تستطع للآن القول بحدوث جرائم حرب من الثوار، بل هي ما تزال تحذر من الانجرار إلى ذلك تحت وطأة وحشية النظام وليس سواه؟!
لكن، مع كل هذا الانحدار والسقوط المتبادل من فئات وشخصيات ومجموعات على الجانبين المعارضين، يلتقي الطرفان بكامل الاتجاهات والقوى والتيارات المنضوية تحتهما، وبلا تردد، على مطلب واحد، هو: إسقاط نظام بشار الأسد.
وهذا الالتقاء  هو ما يكشف بدوره عن انحطاط لا يدانيه انحطاط تجسده "شلة" قوميين ويساريين عرب، حزموا أمرهم بأن يدافعوا -رغماً عن السوريين بمن فيهم رفاق الأمس- لا عن استمرار نظام الأسد فحسب، بل وعن كل جرائمه السابقة والحالية والمستقبلية، ولسان حال هذه "الشلة" يقول: نحن أدرى بشعاب سورية حتى من معارضتها، في الداخل والخارج! أو: ليس في سورية من "معارضة وطنية" أياً كان ملاذها، وسواء كانت مع العسكرة أو سلمية!
ومع غرابة وجنون هذا الموقف الذي يختصر سورية كلها، بحاضرها وماضيها ومستقبلها، في شخص بشار الأسد، لا بد من التساؤل عن الأسباب.
هنا لا يغدو سبب "الارتزاق" شيئاً أمام دوافع غير المرتزقين المأجورين. فهؤلاء "الشرفاء!" يحركهم عداؤهم الأعمى للإسلاميين الذين يرونهم قادمين إلى الحكم حتماً، مع العجز عن مواجهتهم. وبسبب هذا العداء العاجز، فإنهم على قوميتهم ويساريتهم مستعدون لتدمير سورية حجراً على حجر، والدفاع عن القتل حتى آخر مواطن سوري، بل وتسليم مفاتيح دمشق، وكل مدينة عربية، للصهاينة الذين يدعون عداءهم، إن كانوا بديلاً من الإسلاميين! فهذا هو برنامج العمل الوحيد الذي يمتلكونه، واليوم لم يعد ثمة شيء يخسرونه بعد أن افتضحهم الربيع العربي.

[email protected]