أن تشتغل "مفتي" في رمضان

لا أعرف إذا كانت الأمم الأخرى تنتج من الدراما التلفزيونية حجم ما تنتج السوق العربية، وتحديداً في رمضان، وإن كان الأمر كذلك؛ فهل ثمة سوق استهلاكية في العالم، مثل سوق التلفزيون العربي تروج كل هذا الغثاء؟!اضافة اعلان
لفت انتباهي على محطة فضائية ناشئة، وفي سياق برامج الهلس واستهبال المشاهدين، يخرج على الناس رجلٌ يدعي أنه يعلم الغيب، مستعيناً بطاقم من "الجن" الموظفين عنده!
"أبو علي" يطلب من المتصل أن يعطيه اسمه واسم أمه وقبل أن يكمل المسكين اجابته يكون الشيخ المعجزة قد أفتى: أنت حياتك مدمرة، كلها مصائب، أنت وأهلك في ضيق شديد، لن ترى في حياتك يوما فيه خير؛ بل إنه قال لأحد المتصلين من البحرين: ليس في حياتك حجم رأس إبرة من خير! فقال له البحريني مفزوعاً: أوف.. ولّ.. لهالدرجة؟!
الشيخ المزعوم اتصلت به مواطنة مصرية، واللهجة المصرية تدلّ على صاحبها من بين ألف لهجة، لكن النصّاب الذي عرف فوراً أنها ستطلق من زوجها ولو بعد عشرين سنة، لم ينتبه للغلطة التي وقع فيها حين سألها: انت من وين.. من أي بلد!
و"أبو علي" هذا شاب في الثلاثينات، يحاول التحدث باللبنانية فتخذله لهجته الثقيلة، يحاول أن يبدو خفيف الظل لكنه يتورط في سماجة ما بعدها سماجة، ويزعم أنه يعلم بالغيب رغم أن تلك معجزة لم تتح بهذا الشكل الصريح حتى للأنبياء!
و"أبو علي" يتباهى بأنه يكلف الجن بمهام من عنده، ويزرع مخبرين منهم في رأس فلان أو في جسد فلانة، لشفاء هذا أو إنقاذ تلك، لكنه لا يتوانى في ذات اللحظة عن الاستخفاف بالناس، والصراخ عليهم، وازدرائهم، والتعالي عليهم، وكل ذلك في بث مباشر على الهواء، فيصرخ في امرأة عجوز: ابنك فاقد الذاكرة .. ولا أمل بشفائه! فتستغيث العجوز: أبداً.. أبداً؟ فيرد الشيخ باستخفاف: لأ.. ممكن نرجعله الذاكرة، بس يحتاج مني شغل 40 يوماً، وأنا مش فاضيله!! ثم يخاطب المخرج بلهجة صبيانية وهو يضحك: خليها تستنى .. ممكن يشفى لحاله… ههههه!
هذا النوع السائد من استهبال الناس على الهواء صار موضة للفضائيات، وصار سهلاً على من لا يجد عملاً، خصوصاً في دول تتفشى فيها البطالة أن يشتغل "مفتي" على الهواء، ولكي يقنع الشباب والفتيات، فهو يلبس على الطراز الحديث، ويتأنق، ويوزع لنفسه بوسترات مذيلة بتوقيعه كنجوم السينما!
حذار أيها المشاهدون!!
إنهم يسرقون الدين، ويسرقون البث التلفزيوني، ويخططون لسرقة عقولكم!