أن تفكر بعمق: تعليم الفلسفة للتلاميذ

صدر عن دار المنى ترجمة لكتاب "أن تفكر بعمق"، تأليف ليزا هاجلوند، وترجمة أثمار عباس، والكتاب وضع بهدف تعليم الفلسفة ومهارات التفكير للتلاميذ، وربما يصلح للصفوف الدراسية بدءا من الخامس وحتى السابع، وفي ذلك يمكن أن تكون الفلسفة في متناول التلاميذ على نحو عملي وملائم لعمرهم ومستواهم المعرفي والتعليمي، وبالطبع فإنها فكرة رائدة وعملية إعداد كتاب في الفلسفة موجه للتلاميذ، فقد غلب على الفلسفة صعوبتها حتى للبالغين وطلاب الثانويات والجامعات، لكن لا مناص لأجل إعداد الأجيال وتأهيلها لمرحلة غير واضحة تماما من تزويد التلاميذ في مرحلة مبكرة بمهارات وقيم التفكير.اضافة اعلان
والحال أن الفلسفة ممارسة يومية تتصل بالطبع الإنساني والفرادة البشري، وليست كما غلب على تصورات وأفكار معظم الناس عمليات ذهنية وتأملية معزولة عن العلم والحياة، لكن عندما تقدم العلم في مرحلة الثورة الصناعية، وعرفت بوضوح وعلى نحو تجريبي وعياني مسائل كثيرة كانت غامضة ومعقدة؛ انحسرت الفلسفة، وهذا أمر متوقع، إذ يستغني الإنسان عن المنطق والتأمل المجرد حين تهديه حواسه إلى إدراك حقائق الأشياء، فالتكنولوجيا الحديثة والمتطورة زودت الإنسان بالقدرة على الإدراك والمعرفة بأدوات قياس بالغة الدقة وبقدرات عالية، لكن تظل الحاجة إلى الفلسفة قائمة لاعتبارات عدة لا يمكن أن يغطيها العلم التجريبي، فالفلسفة تتقدم دائما باتجاه المناطق والمساحات التي لم يصل إليها العلم، وفي ذلك تظل ضرورة دائمة للاستكشاف، وتمهيد الطريق والأسئلة والمشكلات لأجل أن يخوض فيها العلم، ففي واقع الحال لا يتقدم العلم بغير تمهيد ودعم فلسفي، والإنسان بطبعه وتكوينه ولضرورات علمية وأخلاقية أيضا يظل في حالة تساؤل وتفكير وبحث، إذ إن تاريخ التقدم الإنساني مزيج من البقاء وتحسين البقاء والبحث والتأمل وكانت هذه العمليات ضامنة على الدوام للتقدم والالتزام الاخلاقي أيضا وحماية الإنسان من نفسه ومن علمه.
الكتاب يساعد التلاميذ على السلوك العلمي والحياتي الصحيح، بحيث يتعلم التلميذ ويمارس حياته قادرا على التفكير العميق والمنهجي والنقدي أيضا، فالتفكير بما هو مهارة معرفية لا يؤدي بالضرورة إلى الصواب والخير، بل يحتاج إلى النقد بما هو قيم وأخلاق أو بكلمة "النزاهة" هكذا فإن الفلسفة لا تعلمنا فقط كيف نفكر ولكن كيف نفكر بنزاهة.
يعالج الكتاب بطريقة علمية وممتعة مجموعة من القضايا والأفكار عن الله والإنسان، واللغة والمعرفة والعلم والاستنتاج والحياة ومعنى الحياة والإرادة والحرية والأخلاق والقوانين والعنف والجريمة والعقاب والاختيار، والزمن والكون والموت، .. ويساعد المعلمين والأسر كما التلاميذ على البحث عن الإجابات والتعامل مع كثير من الأسئلة التي تشغل الأطفال، ويتعلم التلاميذ أيضا الاستماع والترجيح بين الإجابات والأفكار، وفي ذلك تتكرس قيم ومهارات الحريات والاختلاف والتنوع والعدالة، لأن طرق الوصول إلى الحقيقة متعددة وغير يقينية، ولا يمكن الاقتراب من الصواب إن لم نعرفه إلا بمنظومة تطبيقية معقدة للاستماع العميق وتقبل الآراء والافكار والاتجاهات وتعددها، والقدرة على العيش معا مختلفين ومتنوعين.
تستحق دار المنى وصاحبتها السيدة منى زريقات الشكر والتقدير على ترجمة ونشر هذا الكتاب "أن تفكر بعمق" لأنه يمثل إضافة ضرورية للمكتبة العربية، ويسد فراغا في المناهج التعليمية في الأردن والدول العربية، ويمكن أن يكون مفيدا للتلاميذ والأسر والمدارس، ويصلح أيضا منهاجا دراسيا مقررا أو مطالعة إضافية.