أهوار العراق تراهن على السياحة البيئية لتعود "جنة عدن"

8xgy889n
8xgy889n

الجبايش- عادت الحياة مجددا إلى أهوار العراق التي جففها نظام صدام حسين والمدرجة على قائمة التراث العالمي، وباتت هذه المنطقة تعوّل على السياحة البيئية لتصبح "جنة عدن" بلاد الرافدين مقصد المولعين برحلات القوارب وسط الطبيعة.اضافة اعلان
أمام منزل عائم مصنوع من القصب وأوراق النخيل، تفوح رائحة خفيفة لدخان حفلة شواء سمك المسكوف الذي يشتهر به العراق.
وعلى المياه، تنساب قوارب "المشاحيف" الخشبية التي تحمل أزواجا أو مجموعات أصدقاء في نزهة على إيقاعات ومواويل المراكبيين التراثية.
يقول العراقي المغترب منذ عقود في الولايات المتحدة، حبيب الجوراني، "لم أكن أتصور أن هناك مناظر خلابة وجميلة مماثلة في العراق" الذي تغطي الصحراء نصف مساحته تقريبا.
ويضيف لوكالة فرانس برس "غالبية العالم يجهل واقع العراق ويتصور أنه أخطر مكان ولا يوجد فيه غير القتل والإرهاب (…) لكن في الواقع هناك أماكن بيئية ساحرة" في هذا البلد الذي أدرجت 5 من مواقعه على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
في العام 2016، أدرجت أهوار العراق التي تمتد بين نهري دجلة والفرات وتعد إحدى أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم، على هذه القائمة بفضل تنوعها الحيوي وتاريخها الغني الذي يعود إلى العصور القديمة لبلاد الرافدين.
ظاهريا يبدو أن شيئا لم يتغير منذ 5 آلاف عام في تلك المساحة المائية والطبيعية المترامية الواقعة بين محافظات ميسان وذي قار والبصرة. وقد وجدت فيها، بحسب الأحاديث المتناقلة بين العراقيين، "جنة عدن" التي عاش فيها آدم وحواء.
يقول أحد سكان الأهوار مهدي الميالي (35 عاما) لوكالة فرانس برس إن "جذور الأهوار تعود إلى الحضارة السومرية والأكدية. وماتزال تحمل صورة حياة السومريين، السكان الأصليين لأهوار جنوب العراق، من المياه ونبات القصب" التي تتغذى عليها الجواميس.
وعايش هذا المزارع الذي عرف فترة الجفاف القاسية والنزوح الجماعي، بعد قرار صدام حسين في العام 1991 تجفيف الأهوار، قمع "الانتفاضة الشعبانية" ضده حينها، ما أدى إلى تراجع عدد سكان الأهوار من 250 ألفا إلى 30 ألف نسمة.
صنفت الأمم المتحدة عملية تجفيف تلك الأراضي الرطبة الفريدة بأنها "واحدة من أسوأ الجرائم البيئية في التاريخ"، وحُكم على أحد المسؤولين في النظام السابق بالإعدام في العام 2010 بعدما أدين بهذه القضية.
وبدأ سكان الأهوار هدم القنوات والجدران الترابية التي أقيمت، وعادت المياه تدريجاً.
لكن سياسة التجفيف التي استمرت سنوات، إضافة إلى الجفاف الطبيعي الشديد، تركت ندوباً كبيرة. فالأهوار التي كانت مساحتها الإجمالية 15 ألف كيلومتر مربع، انقسمت إلى نصفين، وفقا لجاسم الأسدي الذي يرئس منظمة طبيعة العراق.
ووصل منسوب المياه في الأهوار هذه السنة إلى 80 % بسبب الأمطار الغزيرة، وفقا للأمم المتحدة، مقارنة مع 27 % في خريف العام الماضي. وعاد السكان مجددا إلى بيوت الضيافة القديمة والقوارب المدفوعة بمجداف واحد، وتربية الجواميس التي تنتج الحليب الغني بالدسم.
وبعد إدراج المنطقة على قائمة اليونسكو العام 2016، تزايدت السياحة البيئية حيث وصل العدد إلى 18 ألف سائح في العام 2018، مقارنة ب10 آلاف في 2016، بحسب مدير سياحة ذي قار، أسعد القرغولي، التي يعيش نحو نصف سكانها تحت خط الفقر.
يقول الميالي "انتعشت الأهوار بالسياحة البيئية وبات الناس يأتون من جميع المحافظات في العراق وكذلك من بعض الجنسيات الأجنبية المختلفة".
يأمل هؤلاء السياح رؤية الطيور المهاجرة، إضافة إلى أنواع عدة من الكلاب المائية (القضاعات)، وسلاحف الفرات التي تسمى محلياً ب"الرفش".
ورغم ازدياد عدد السياح، ماتزال الأهوار تعاني من غياب البنية التحتية.
يوضح القرغولي أن لا وجود "لبنى تحتية أو فنادق في مناطق الأهوار، وذلك يعود إلى التقشف في ميزانية الدولة سابقا بسبب الأوضاع الأمنية" خلال السنوات الأخيرة وخصوصا لتمويل الحرب ضد "داعش".
وفي الوقت الحالي، يقدم السكان المحليون جولات على متن القوارب بتكلفة تعادل 25 دولارا، أو غداء داخل "المضيف" التقليدي.
ومنذ أعلنت بغداد دحر "داعش" في نهاية العام 2017، يأمل السكان أن تخصص مبالغ مالية لمشاريع بنى تحتية.
ويطالب القرغولي ببناء "مدينة سياحية صديقة للبيئة تحتوي على منشآت صغيرة وفردية تتوزع داخل الأهوار".
ويرى الأسدي أن "السياحة البيئية في الأهوار، أكثر استدامة من النفط والانتاجات النفطية كونها ثروة وطنية مستدامة لا تنضب".
وتشكل عائدات النفط حاليا نحو 90 % من ميزانية البلاد، لكن استغلال الذهب الأسود يهدد الحياة في الأهوار، وفقاً للأمم المتحدة التي تدعو بغداد باستمرار إلى جعلها محمية.
وفي بلد يعد من أكثر دول العالم حرا ويعاني من نقص مزمن في المياه، يعتبر الحفاظ على المناطق الرطبة أمرا حيويا.
ويعتمد العراق على مياه نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، إضافة إلى روافد أخرى تأتي من إيران وسوريا. ومع كل سد يشيد في تلك البلدان، تنخفض مناسيب المياه في العراق، وترتفع تاليا نسبة ملوحة مياه الأهوار.
ويقول الميالي إن مياه الأهوار "جفت في العامين 2009 و2010 بسبب قطع المياه وبناء السدود في تركيا وإيران، وكان أشدها جفافا العام 2015 حيث نفقت أكثر الجواميس، ما دفع غالبية سكان الأهوار إلى الهجرة إلى المدن والقرى الأخرى".
رغم ذلك يتمسك سكان الأهوار، الذين تفاجأوا بعودة المياه إلى مناطقهم بعد العام 2003، بأمل عودة حياتهم إلى طبيعتها بعد أربعة عقود.
ويؤمن الجوراني بأن ذلك كفيل بإبقاء الأهوار جنة عدن لجذب "المغامرين ومحبي الطبيعة".-( ا ف ب)