أوان الانقضاض على أكراد سورية!

لا يجب أن تكون مفاجئة أبداً، من حيث المبدأ أولاً، المواجهات العسكرية التي اندلعت منذ أيام قليلة، بين قوات نظام بشار الأسد والقوات الكردية، في مدينة الحسكة. فحتمية هذه المواجهات كانت دوماً أقرب إلى البداهة، باعتبارها حرباً مؤجلة لا تنتظر إلا تثبيت كل من الطرفين أقدامه بعد الإجهاز على خصمهما المشترك أو إضعافه بشكل كبير، وهو فصائل المعارضة السورية. اضافة اعلان
وهذه الحتمية لم تزدد إلا رسوخاً بعد سيطرة طهران على مقاليد الأمور في دمشق؛ إذ لا يقل الإيرانيون قلقاً عن الأتراك من ظهور نموذج كردي آخر، بعد كردستان العراق، يعزز طموحات أكراد البلدين. وقد باتت مألوفة المواجهات -وإن كانت محدودة نسبياً إلى الآن- في كردستان إيران بعد هدوء طويل، حد تهديد طهران بعملية عسكرية واسعة ضد كردستان العراق الذي يلجأ إليه المقاتلون الأكراد الإيرانيون، وعدم الاكتفاء بالقصف الذي تمارسه حالياً ضد الإقليم بين فينة وأخرى.
بالقدر نفسه، لا يجب أن يكون مفاجئاً أيضاً توقيت اندلاع مواجهات الحسكة الآن، اللهم إلا بالنسبة لأصحاب التحليل الرغائبي من أنصار بقاء بشار الأسد بمسمى "رئيس جمهورية"، باعتبار ذلك منتهى "النصر"! إذ ينظر هؤلاء إلى كل تصريح إقليمي ودولي فقط من زاوية مدى خدمته لاحتفاظ الأسد بمسماه، بعيداً عن أي أبعاد وتداعيات أخرى. يؤكد ذلك، ضمن مؤشرات أخرى أسبق، قراءتهم للتقارب التركي-الروسي، ولربما التقارب التركي-الإيراني، بشأن سورية.
فإذا كان أحد دوافع هذا التقارب الأساسية، هو إجهاض الطموحات الكردية الاستقلالية أو الانفصالية في المنطقة، فإنه بالتأكيد من زاوية أخرى؛ كردية-أميركية، يبدو شارة الانطلاق لتثبيت الواقع الجديد في سورية. مع ما يعنيه ذلك من تداعيات، لا تعني للآن إلا توسيع المواجهات، وبالتالي تعقيدها حتماً.
هكذا، وصف نظام الأسد المقاتلين الأكراد في الحسكة بأنهم أعضاء في "حزب العمال الكردستاني" الذي تعتبره أنقرة عدوها الأول، وبما يمثل مغازلة من الأسد لتركيا إن لم يكن دعوة لها للتحرك/ التدخل إلى جانبه ضد الأكراد. وإذا كنت من أنصار نظرية المؤامرة؛ كونية أو دون ذلك، فيمكن افتراض افتعال الأسد لمواجهات الحسكة، وتالياً توقع انسحاب قواته منها، لاسيما وأنها غير قادرة على مواجهة الأكراد، وترك الأمر للأتراك، فينضمون إلى الإيرانيين والروس الذين يخوضون أصلاً حرب الأسد على امتداد الأرض السورية.
طبعاً، الأرجح أن روسيا ستتخلى -إن لم تكن قد تخلت فعلاً- عن الأكراد الذين أرادت استخدامهم للضغط على تركيا، كما تحييدهم لحين الانتهاء من معركة حلب. لكن لماذا قد تتخلى الولايات المتحدة عن الأكراد، لاسيما بعد أن انتهت الشهر الماضي من إنشاء قاعدة عسكرية ومطار في الحسكة؛ علماً أن روسيا ونظام الأسد لم ينبسا ببنت شفة، ولو احتجاجاً؟ أم أن الأسد سيضيف إلى قائمة تعهداته للبقاء، ضمان أمن القاعدة الأميركية، أسوة بأمن حدود إسرائيل؟
الآن، سنجد أغلب "الشبيحة الديمقراطيين" الذين ملؤوا الدنيا نحيباً وصراخاً على استبعاد "حزب العمال الديمقراطي" (المرتبط فعلاً بحزب العمال الكردستاني) من وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، ينقلون البندقية إلى الكتف الآخر ليحدثونا عن عمالة هؤلاء الأكراد للإمبريالية والصهيونية! لكن ذلك لن يفيد. أما سورية "الدولة الموحدة"، وليس "سورية الأسد"، فهي فقط دولة كل مواطنيها، بلا أي استثناء في الحرية والكرامة.