أوباما بين الشرق الأوسط وباقي العالم

 يشيع اليوم، في الإعلام الغربيّ منه والعربيّ، تعداد المشاكل الخارجيّة التي يُفترض أن يواجهها الرئيس الأميركيّ المنتخب باراك أوباما. وهذه أشبه بـ"الموضة" التي تزدهر مع كلّ رئيس للولايات المتّحدة في الفترة الفاصلة بين انتخابه وبين تسلّمه مفاتيح البيت الأبيض (وهو، في الحالة التي نحن في صددها 20 كانون الثاني/ يناير المقبل).

اضافة اعلان

مع ذلك، فالأمر يختلف قليلاً ويكتسب درجة أعلى من الجدّيّة في حالة الانتقال من رئاسة جورج بوش والحروب التي انطوت عليها إلى رئاسة أوباما.

لكنّ المخيف، هذه المرّة، أن تعداد المشاكل يركّز الضوء على منطقة الشرق الأوسط تحديداً. فمن أصل عشر مسائل اتّفقت عليها سبع وسائل إعلاميّة غربيّة بوصفها أهمّ ما سيواجهه الرئيس الجديد، تحتلّ منطقتنا، بالمعنى العريض للكلمة، خمساً هي: العراق، وإيران، وأفغانستان، والحرب على الإرهاب، والعمليّة السلميّة للنزاع الفلسطينيّ/العربيّ – الإسرائيليّ. بيد أن هذا لا يعني أنها عديمة الصلة بالمسائل الأخرى، كموقع الولايات المتّحدة في العالم (وهو ما يتقرّر إلى حدّ بعيد عندنا)، وما يُسمّى "الديبلوماسيّة الجديدة" أي أوضاع المؤسّسات الماليّة الدوليّة والتغيّر المناخيّ والطاقة. فلا يتبقّى، بالتالي، من تلك المشاكل العشر إلاّ ثلاث ضعيفة الصلة بالشرق الأوسط، وهي: روسيا، والعلاقة بالصين، وكوريا الشماليّة.

والأمر لا يقف عند هذا التوصيف الرقميّ، حيث يُلاحَظ أن المسائل المتعلّقة بالشرق الأوسط هي الأكثر قابليّة للعنف، كما الحال في العراق أو الحرب على الإرهاب أو، طبعاً، إيران، كما أنّها الأشد تضخّماً بالعقد التاريخيّة المديدة، لا سيّما العمليّة السلميّة في الشرق الأوسط.

ففي حالة كوريا الشماليّة، يُقدّر أن تحاول حكومتها الاحتفاظ بما تمتلكه من سلاح نوويّ من دون التوسّع فيه، ما يحفز أوباما، بالتعاون مع الدول الآسيويّة المؤثّرة، على محاولة إقناعها بالتخلّي الكليّ عنه. لكنّ ما يطمئن على هذا الصعيد ان التجربة الأخيرة مع كوريا الشماليّة كانت إيجابيّة، إذ، على رغم الشدّ والجذب، وافقت على إجراءات الرقابة على برنامجها النوويّ مقابل شطبها من القائمة الأميركيّة للدول التي تدعم الإرهاب.

ومع الصين، يُستبعَد تماماً أن يتأدّى عن الخلاف بشأن مستقبل تايوان أو التيبت أيّ احتكاك عنفيّ، وإن سمعنا، بين الفينة والأخرى، تصريحات ومواقف حادّة من الأطراف المعنيّة. فالعلاقة الأميركيّة – الصينيّة مهّمة بكلّ المعاني، طالما الصين عضو دائم في مجلس الأمن وعنصر تأثير اقتصاديّ وماليّ هائل بل متعاظم. وما يعزّز التقدير القائل بانضباط الأمور في ظلّ أوباما أن بكين، حسب المؤشّرات جميعاً، ستبقى معنيّة بمصالحها الداخليّة أكثر بكثير مما بتوسيع النفوذ الخارجيّ.

فوق هذا فالمسألتان، الصينيّة والكوريّة الشماليّة، تنطويان على احتمال الانشغال بالعناصر الداخليّة التي تُلهي عن سلوك طريق التوتّر الخارجيّ: ذاك أن كوريا قد تجد نفسها حيال أزمة الانتقال إلى ما بعد كيم جونغ إيل، في حال صدقت التوقّعات حول أوضاعه الصحيّة. كذلك لا يستبعد بعض المراقبين حصول خضّات اجتماعيّة في الصين إذا ما تفاقم الركود الذي شرعت تتّضح معالمه، ولا سيّما إذا تحوّل إلى كساد. وخصوصيّة الصين هنا تتّصل بمدى اعتماد اقتصادها على التصدير الخارجيّ وحجم الهجرة الهائل من الأرياف إلى المدن. فإذا ما انكمش الطلب الخارجيّ على السلع الصينيّة، تبعاً للركود الاقتصاديّ العالميّ، بات من المقلق وضع الكتل السكّانيّة المرشّحة لفقد مصادر عيشها في المدن بعدما انهار اقتصاد الأرياف التي غادرتها.

حتّى مع روسيا، حيث المشكلة الأعلى قابليّة للتحوّل إلى العنف، ثمّة آليات مطمئنة للضبط والامتصاص: صحيح أن حرب جورجيا الأخيرة أطلقت توتّراً بين روسيا والغرب لا سابق له منذ انتهاء الحرب الباردة. غير أن التدهور سيكون مربوطاً بمدى تسريع عمليّة ضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الناتو. ويبدو أن الإدارة الأميركيّة المقبلة ليست متحمّسة لتسريع الخطى في هذا الاتّجاه مع تمسّكها المبدئيّ بالوعد المقطوع للبلدين المذكورين. فأوباما وفريقه سيكونان، حسب الترجيحات، أشدّ اهتماماً بتوطيد السلام مع موسكو ومحاولة الحصول على تعاونها، كعضو دائم في مجلس الأمن، في إيران ودارفور وغيرهما. وبالمعنى نفسه ثمّة من يشير، في ما خصّ نشر النظام المضادّ للصواريخ في بولندا وتشيخيا، إلى التعويل على عمليّة تفاوضيّة مديدة. لا بل هناك من يتوقّع الانتقال التدرّجيّ من التأزّم الراهن إلى تركيز التفاوض حول خفوضات جديّة في الأسلحة النوويّة عموماَ.

وغنيّ عن القول إن الفارق يبقى كبيراً بين المناخ هذا ومناخات منطقتنا.