أوباما في المنطقة: ليست زيارة مجاملة

الرئيس الأميركي باراك أوباما - (ا ف ب)
الرئيس الأميركي باراك أوباما - (ا ف ب)

هآرتس

حيمي شاليف
8/2/2013
زار الرئيس نيكسون إسرائيل في العام 1974 بعد التوقيع على اتفاقات وقف النار بين إسرائيل وسورية ولصرف الانتباه عن مشاكله في قضية ووترغيت. وجاء كارتر في 1979 كي يربط الاطراف في اتفاق السلام مع مصر. أما كلينتون فكان مسافرا مواظبا وزار البلاد أربع مرات: للتوقيع على اتفاق السلام مع الأردن، للمشاركة في جنازة رابين، لمساعدة شمعون بيريز في 1996 وفي أعقاب اتفاق واي في 1998. ووصل بوش مرتين، بعد مؤتمر انابوليس وبمناسبة احتفالات الستين للدولة، ولكن بالاساس كي يحظى بالدفء والعطف الذي لم يعد يمكنه أن يتلقاه الا في إسرائيل. اضافة اعلان
وهكذا فانه من تحليل زيارات الرؤساء الأميركيين في الماضي تنشأ عدة استنتاجات عملية عن طبيعة الزيارات: فقد كانت دوما تأتي قبيل نهاية الولاية، وهي بشكل عام مكرسة لمهمة محددة أو تأتي في أعقاب حدث تاريخي، وهي احيانا تستهدف مساعدة الرئيس على توجيه الاضواء الاعلامية بعيدا عن المشاكل في الداخل. بهذا المفهوم، فان زيارة الرئيس اوباما المرتقبة هي استثناء: فهي تجري في بداية ولايته، حين تكون مكانته العامة متينة أكثر من اي وقت مضى، وبدون موضوع ملح، جوهري أو رمزي، على جدول الاعمال. او على الاقل ليس معروفا هكذا للمحللين، للخبراء ولمعظم الموظفين الذين يشتغلون على الامر.
وبالفعل، منذ علم بامر الزيارة ينشغل الناطقون بلسان الرئيس بتخفيض مستوى التوقعات وبخلق احساس بان اوباما يأتي في واقع الامر دون غاية، فقط لانه طاب له ان يزور. فلا توجد له خطة، ليس لديه اجندة، ليست لديه نوايا خفية وليس لديه أي ارادة للتأثير على تشكيلة الائتلاف. لا يأتي للتوبيخ ولا يأتي للضغط. يأتي كي يعيد تأكيد العلاقات المتينة بين إسرائيل وأميركا، يجري مشاورات في المواضيع الاقليمية المشتعلة وأن يبدأ من جديد علاقاته مع رئيس الوزراء نتنياهو.
لقد كبا اوباما عندما امتنع عن زيارة إسرائيل في حزيران 2009، بعد خطاب البداية الجديدة له في القاهرة. وقد ضخم هذا الخطأ بعد ذلك الى حجوم وحشية وسخيفة من قبل منتقديه في اوساط اليمين اليهودي والجمهوري، كدليل على عدائه لإسرائيل. اوباما يستغل الان الفرصة الأولى لازالة هذه الشوكة، في التوقيت الأكثر ملاءمة: بعد الانتخابات في الدولتين، في بداية الولاية الجديدة لاوباما ونتنياهو على حد سواء، وبعد أن صحا الرجلان من الوهم في أن يحل أحد ما أكثر راحة محل نظيره.
كما أن خطر مظاهرات الغضب الجماهيرية في الشوارع او الاستقبال المحرج في الكنيست قل جدا بالقياس الى السنوات الماضية، في ظل غياب مسيرة سلمية تثير الخلاف وفيما تكون إسرائيل وأميركا تقفان معا، كتفا بكتف، في وجه خطر مشترك كايران، سورية ومصر.
ولكن خلافا للانطباع الذي يرغب الطرفان في خلقه، ولا سيما لصد الضغوط المحتملة، فان الحديث لا يدور عن زيارة مجاملة من الابتسامات، البادرات الطيبة والوقت اللطيف. اولا، لانه بعد ستة اسابيع وهذه مدة طويلة في الشرق الاوسط المتقلب والذي يعج الاحداث، فان المسألة الإيرانية ستقترب من نقطة الغليان. بيان الرئيس خمينئي أمس، في أن إيران لا تستجيب لاقتراح الولايات المتحدة باجراء محادثات مباشرة، معناه حسب المحللين تأجيل الموعد المحتمل للقاءات الثنائية الى ما بعد الانتخابات التي ستجري في إيران في حزيران على الاقل، الموعد الذي يعتبر في اسرائيل بانه متأخر جدا. كما يفترض باميركا ان تضع على الطاولة، رسميا او بالتسريب، اقتراحا لـ "صفقة شاملة" مع إيران، من شأنها أن تثير انتقادا حاد في اسرائيل. وها هو موضوع مشتعل للبحث، تبرر آثاره الوجودية بالتأكيد لقاء وجها بوجه.
وحتى لو لم تكن للرئيس نية في أن يضع مبادرة جديدة على الطاولة، كما أوضح الناطق بلسان البيت الابيض، فان زيارته ستحل الجمود في اساسات المسيرة السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية. فليس هناك من وضع يأتي فيه أوباما الى إسرائيل ويزور رام الله والاردن وفي النهاية يخرج من هنا دون أن يغير في شيء الوضع الراهن القائم، ومن يعتقد ذلك فانه يعبر عن أمانيه أو يتجاهل الدينامية التي ستنشأ بالضرورة كنتيجة للزيارة. وبالحد الادنى، كما تقول مصادر عليمة، فان الزيارة سترسم الطريق لاستئناف المحادثات السياسية، في مسيرة كفيلة بان تتضمن ايضا تفاهمات ثنائية مع الفلسطينيين لاقناعهم بازالة طلبهم المطلق بتجميد الاستيطان.
وحتى لو كان صحيحا ان اوباما لا يعتزم التأثير على تشكيلة الائتلاف في اسرائيل، فلا ريب أن لتشكيلة الائتلاف سيكون تأثير هام على أوباما وزيارته. فائتلاف يمين – اصوليين ضيق تكون فيه اغلبية مطلقة للتسوية سيلقي بظلال ثقيلة على الزيارة ويجعلها عقيمة وثقيلة؛ ائتلاف يمين – وسط ستمنحها بعد من التفاؤل والبداية الجديدة. وهذا يعرفه نتنياهو هو الاخر.
ولكن التأثير الاكثر دراماتيكية للزيارة كفيل بان يكون على الرأي العام في اسرائيل. فأوباما لا يأتي إلى إسرائيل كي يبحث في المساواة في العبء أو في تحسين وضع الطبقة الوسطى.  وهو سيقسم اغلظ الايمان لأمن إسرائيل ويطلق اقوالا آسرة عن عمق العلاقة بين الدولتين، ولكنه سيربط مستقبل، أمن وازدهار إسرائيل بتحقيق اتفاق مع الفلسطينيين. وهو سيطلق صيغة مخففة ولطيفة على الاذن لامور فظة سربت باسمه الى الصحفي جيفري غولدبرغ: أين توجد المصالح الحقيقية لاسرائيل، في نظره، والى اين يمكن ان تتدهور اذا لم تعمل على تحقيقها.
سيملأ اوباما الفراغ الذي نشأ في الحملة الانتخابية الاخيرة، والتي فضل فيها معظم الاحزاب التركيز على المشاكل الاجتماعية والداخلية وتجاهل الفيل الفلسطيني الذي يحتل مركز الغرفة. وسيحطم بقدر كبير نهج "الفلسطينيين يوك" (استعارة لقول ادميرال السلطان العثماني ابراهيم المجنون في القرن السابع عشر الذي قال: "مالطا يوك"، مالطا غير موجودة، وأبحر الى حتفه في المعارك مع الكريتيين) – الذي يميز الخطاب الجماهيري والاعلامي في اسرائيل في السنتين الاخيرتين. وسيعطي ضربة كهربائية لجسده الذي اقتنع الكثيرون بانه قضى نحبه وسيفاجأون باكتشاف انه ما يزال حي، يتنفس بل وربما يرفس.
ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتوجه فيها أوباما مباشرة الى الشعب في إسرائيل، بعد أربع سنوات من التجاهل الذي يصعب حتى على أكثر محاميه حماسة ان يبرره. فالكثير من الإسرائيليين طوروا تجاهه اشتباها بل وضغينة في هذه السنوات، ولكنه يعرف ايضا كيف يكسب القلوب عندما تكون ثمة حاجة، كما أثبت في تشرين الثاني الماضي. وبالطبع يصعب تقدير قوة العطف التي ستكون للرئيس ورسائله، والامر لا يتعلق به فقط، ولكن الواقع الحالي، وهذا يكاد لا يكون شك فيه، سيغيره.
إذن أهمية الزيارة هي في مجرد وجودها؟ ربما. ولكن يدور الحديث عن أهمية هائلة، على الأقل من ناحية  القدرة الكامنة.