أوباما وعباس الضعيف جدا ونتنياهو القوي جدا

في مقابلة له مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 8 /8 /2014، وصف الرئيس الأميركي "المحبوب"، باراك أوباما، محمود عباس بالضعيف جداً وبنيامين نتنياهو بالقوي جداً.اضافة اعلان
نعم، إن وصف الرئيس لكل منهما مطابق للواقع، ولكنه ليس في محله. فعباس في نظر أوباما ضعيف جدا لأنه غير قادر على اتخاذ قرارات مصيرية، ليست سوى التنازل التام عن القدس، والاستسلام للاستيطان، وإلغاء حق العودة، والقبول بيهودية إسرائيل. فعندئذ أو بعدئذ يصبح عباس في منتهى القوة، ولا يهم بعد ذلك موضوع انتهاء ولايته، وتدني شعبيته في صفوف الفلسطينيين. وسيؤكد الرئيس الأميركي بعدها أنه بطل السلام الذي استحق عن جدارة جائزة نوبل، ولو بإلغاء وطن وشعب من الوجود.
لكن عباس ضعيف جداً لما هو بالعكس في نظر شعبه؛ بالتنسيق الأمني مع إسرائيل ضد أي مقاومة، وإعادة شرطته إلى ثكناتها بمجرد دخول القوات الإسرائيلية للقبض على مطلوب، فلا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. إن شعبية عباس منخفضة لكثرة ما قدم للعدو من تنازلات من دون أي جدوى؛ وشعبيته منخفضة لتردده في جر إسرائيل وجنرالاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية ليحاسبوا على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها في قطاع غزة. إنه ضعيف جداً لأنه لا يستقيل ولا يحل سلطة "الحكم الذاتي"، ويترك شعبه يدبر نفسه بنفسه مع اغتصاب إسرائيل لوطنه، واختراق أحشائه بين البحر والنهر بعدما صار عدد أفراده يساوي عدد أفراد العدو أو يتجاوزه بينهما، إذا استثنينا اليهود الغائبين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية.
أما نتنياهو، فقوي جداً لأن جملة اليهود في فلسطين يصفقون له لإبادته الشعب الفلسطيني بيولوجياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً، ولأنه يقتل الأجنة في الأرحام، والرّضع في الأحضان، والأطفال وهم نيام، والناس في البيوت والجوامع والمساجد والكنائس والشوارع، وحتى الأموات في القبور؛ وهو ما اصطلح على  تسميته "القصف (أو القتل) الاستراتيجي الهادف إلى كسر إرادة الشعب ودفعه إلى الاستسلام من جهة، ورفع الروح المعنوية لجبهة القاتل من جهة أخرى، عندما يبدو له أن كل الأساليب الأخرى فشلت في تحقيق  الاستسلام (بحسب إيان بورما؛ أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد، في مقاله المنشور في "الغد" بتاريخ 11 /8 /2014).
إن الرئيس أوباما لا يجامل في ذلك؛ فهو يقول الحقيقة "ولكن أميركا كما يقول نعوم تشومسكي اعتبرت انتخاب الشعب الفلسطيني لحماس جريمة كبيرة، لأنه صوت بالطريقة الخطأ في انتخابات حرة ومراقبة بدقة. وإن وسائل الإعلام الأميركية تردد بلا توقف أن حماس حركة مكرسة لتدمير إسرائيل، مع أن قادتها أوضحوا مراراً أنهم يمكن أن يقبلوا بحل قائم على حل الدولتين. وفي المقابل، كانت إسرائيل مكرسة دائماً لتدمير الفلسطينيين".
ومع هذا، يجرؤ أوباما ويفتح عينيه ويتحدث عن انخفاض شعبية هذا وارتفاع شعبية ذاك، ويصف إسرائيل في المقابلة بالدولة المفعمة بالحيوية، الناجحة بطريقة لا تصدق، والغنية والقوية التي انتصرت بحكمة، فلا يشعر بالقلق على وجودها.
إن كل شعرة في أوباما تعرف أن قلق إسرائيل يتناسب طردياً مع كل ما ذكر، لأنها قائمة أصلاً على أرض اغتصبتها من شعبها بالقوة وشردته منها، ولولا العناية الأميركية المكثفة (AIC: American Intensive Care) لما بقيت واستمرت. إن الرئيس يعرف الحقيقة والحق، ولكنه يحرف بعيداً ليمرر سنتيه الأخيرتين من حكمه مع الصهيونية وإسرائيل بسلام، وليكن بعده الطوفان.
أرأيتم الحضيض الأخلاقي المتواصل هبوطاً مع وصول كل رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، ومزايدته على كل من سبقه في دعم إسرائيل مالياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً ودولياً، بمقدار درجة أو درجتين على مقياس ريختر التي هي أقوى بمقدار ألف مرة عن الدرجة السابقة.. ويتشاطر على الشعب الفلسطيني المسكين المحاصر في غزة براً وبحراً وجواً، والمشتت في الآفاق؟