أوبرا جديدة في الشرق العربي

في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار النفط عالميا، افتتح أمير دولة الكويت، قبل أيام، مركز جابر الأحمد الصباح الثقافي الجديد، والذي يتضمن مسرحا أوبراليا متطورا يتسع لما يقارب ألفي متفرج، بكلفة وصلت إلى ثلاثة أرباع المليار دولار. ويشكل هذا المشروع تحولا مهما في دعم الإبداع الفني، وتوفير البيئة الضرورية لإنتاج وتوزيع ونشر المنتجات الثقافية، وخطوة باتجاه توسيع الحوار الثقافي الفني بين الشعوب والثقافات.اضافة اعلان
المركز الثقافي العملاق ليس المشروع الوحيد الذي شهدته الساحة الثقافية في الخليج العربي؛ فهناك العديد من المشاريع التي أقامتها كل من الكويت وقطر والإمارات، كجزء من برامجها الطموحة التي ترى في دعم التعبير الإبداعي، وإطلاق وتنمية القدرات والمواهب، وتيسّر انتشار المؤلفات والمنشورات والمنتجات الفنية والثقافية والفكرية، هدفا أساسيا لبرامج التنمية والازدهار والنهوض الذي تسعى إليه.
فمنذ ما يقارب العشر سنوات، عملت قطر على التوسع في إنشاء وتطوير أكبر شبكة متاحف في الإقليم، جلبت لها العديد من المقتنيات واللوحات الفنية النادرة، بموازنة تزيد على مليار دولار سنويا، ما جعل شبه الجزيرة القطرية مقصدا أساسيا للكثير من المهتمين بالفن التشكيلي في العالم. وفي الإمارات، عملت دبي على دعم الإبداع والثقافة، وإطلاق برنامج عربي لدعم الإبداع والقراءة تجاوزت ميزانيته مليارات الدولارات.
الجهود والمبادرات التي تقوم بها دول الخليج العربي تتماشى مع الاتجاه والفهم العالميين الجديدين بشأن أهمية الصناعات الثقافية في دعم الاقتصاد العالمي والناتج القومي للبلدان التي تعنى بها. فعلى مدار أكثر من عشرين عاما، استحوذت الصين على أكثر من عشرين بالمائة من العوائد التي تأتي بها الصناعات الثقافية لاقتصاد البلدان التي تعنى بها، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية.
متابعة أخبار المشروعات الثقافية العملاقة لدى أشقائنا في الخليج العربي، تولّد في النفس خليطا من المشاعر. فمن جانب، يشعر المرء أن في عالمنا العربي من يتابع التحولات ويدرك أهمية الاستثمار في الثقافة باعتبارها أكثر وسائل التواصل الإنساني تأثيرا وفعالية، وأقدرها على التعبير عن هوية وشخصية أي أمة وتطلعاتها. كما أن أحدنا لا يملك إلا أن يتساءل عن أسباب تدني اكتراثنا بتنمية الإبداع، والاستثمار في هذا المورد الإنساني المهم الذي كان وما يزال أهم مواردنا.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان المسلسل الأردني أحد الثوابت الرئيسة لشاشات التلفزة العربية في ليبيا والجزائر والجزيرة العربية. وفي بداية الألفية الثالثة، تحدثنا كثيرا عن تطوير البرمجيات وإنشاء دار للأوبرا والتوسع في صناعة الأفلام، وجرى تعديل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، واستبشرنا بنهضة ثقافية فنية.
اليوم، تشير التقارير التي تصدرها منظمة الملكية الفكرية العالمية (WIPO) إلى أن مساهمة الصناعات الثقافية في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز ثلاثة بالمائة. وهذا رقم متواضع جدا إذا ما عرفنا أن عوائد الصناعات الثقافية تصل إلى ما يتجاوز 11 % في معظم الدول الصناعية والنامية كجامايكا التي أولت هذه الصناعة ما تستحق من اهتمام.
منذ أكثر من عقدين، يعاني الفنان الأردني من تدني الاهتمام الرسمي بالشأن الثقافي. إذ يتقلص نصيب الثقافة من الإنفاق العام ليصل إلى ما يعادل نصف دينار من كل ألف دينار تنفقها الحكومة، الأمر الذي أسهم في ضعف برامج دعم الإبداع على المستوى المدرسي والجامعي، وهجرة بعض الفنانين إلى دول مجاورة أملا في تحقيق مزيد من الشهرة والانتشار.
نهنئ الإخوة الكويتيين على هذا الإنجاز الثقافي الحضاري الرائع، ونتمنى أن يسهم افتتاح دار الأوبرا الجديدة في دعم جهود الانفتاح على الثقافات الأخرى، ودعم مشروعات تشجيع السياحة وتنمية الثقافة والنهوض بالاقتصاد في هذا البلد الوادع الأمين. فالكويت كانت من رواد تقدم الثقافة العربية وانتشارها، إذ هي التي تبنت مشروع مجلة "العربي" في خمسينيات القرن الماضي، ومنها انطلقت حركة مسرحية واعدة.
الاستثمار في الثقافة سياسة اقتصادية راشدة، تجسد الإيمان بالقوى البشرية كمورد، وحرية التعبير كقيمة، وتنويع مصادر الدخل كاستراتيجية. الشرق الأوسط موقع مميز وتاريخ غني بالأحداث، ومقصد يطمح الجميع في الوصول إليه. فهل يمكن أن يسهم إغناء فضائها بالمسارح والمرافق والبرامج والفعاليات الثقافية المتنوعة، في زيادة جاذبيتها؟