أوروبا: الخوف الأعمى من البلدان الصاعدة

دراجات نارية من إنتاج مصنع هندي - (أرشيفية)
دراجات نارية من إنتاج مصنع هندي - (أرشيفية)

دومينيك مواسي – (لي زيكو) 

ترجمة: مدني قصري
من هونغ كونغ إلى بومباي، مرورا بساو باولو أو الرياض، لا يتحدث المستثمرون في مختلف أنحاء العالم إلا على اليونان واسبانيا وإيطاليا، وعن مستقبل اليورو. هل ستبقى اليونان في منطقة اليورو؟ وهل ما يزال بالإمكان إنقاذ البنوك الأسبانية المفلسة؟
بالأمس كانت أوروبا تعكس على البلدان الصاعدة، مثل المرآة، صورة نجاحها. لقد كانت هذه البلدان تقارن معدلات نمونا الأوروبي بمعدلات نموها. وكانت تقابل طاقاتها الإيجابية بسلبية أوروبا الجبانة. وكانت هذه البلدان تقدّم لنا الدروس:"اعمَلوا أكثر، وانفقوا أقل!"، ظنا منها أنها تصفي على هذا النحو حساباتها مع ماضٍ من الانصياع والذل.
لكن يبدو أن كل شيء اليوم قد تغير. فالبلدان الصاعدة بدأت تشعر بقلق شديد بسبب الآثار المترتبة عن ضعف أوروبا – القوة التجارية العالمية الأولى –الذي بات مفرطا– وانعكاسه على حالة الاقتصاد العالمي، وبالتالي على استقرار نظامها القائم على الاستمرار في تحقيق نمو قوي.
لكن ماذا لو أدت الأزمة الأوروبية إلى تباطؤ في النمو إلى أقل من 7 ٪ في الصين، و 3 ٪ في البرازيل، وهو ما سوف يضرب البلدان الأضعف قبل كل شيء، ويعمق الفوارق الاجتماعية؟ لقد أصبحت أوروبا فجأة في نظر هذه البلدان الصاعدة كاشفا ومُسرّعا كامنا لنقاط ضعف هذه البلدان البنيوية.
بالاعتماد على مثل هذا التشخيص هناك تفكير منطقي يمكن أن يفرض نفسه على البلدان الصاعدة: فمثلما ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن ينقذ اليونان بأي ثمن فإنه يجب على العالم الصاعد أن يسهم بأي ثمن في إنقاذ أوروبا. فكما هو الحال بالنسبة لليونان، فإن لم يتم القيام بذلك اليوم قبل فوات الأوان فسيتم القيام به غدا بتكلفة أعلى بكثير، ومن دون أي ضمانة للنجاح.
هل يمكن لمثل هذا الاستنتاج أن يتحقق على يد بلدان صارت متحدة بـ"التنصل المشترك من المسؤولية" إزاء شؤون العالم أكثر من اتحادها بأي اعتبار آخر؟ إن مساهمة أي بلد في إنقاذ نظام أوروبا المالي حتى يتجنب هذا البلد الوقوع في الغرق هو خيار أبعد ما يكون عن أن يشكل أي إجماع حقيقي بين الدول الصاعدة.
إن التفسير الأول لغياب التشاور المسؤول مردّه تحديدا إلى عدم وجود كتلة واحدة من البلدان الصاعدة. فهذه البلدان ليست موحدة برؤية واضحة، أو بضالة سياسية مشتركة، كما يمكن أن يكون عليه الحال بالنسبة للعالم الغربي المتحد وراء الديمقراطية، حتى وإن كانت هذه الوحدة هشة للغاية في غالب الأحيان. فهذه البلدان تتصارع أكثر مما تتشارك فيما بينها، وإن وُجد بينها "اتحاد مقدس" فهو اتحاد يمارَس ضد الصين أكثر مما يمارس من أجل إنقاذ "رجل العالم المريض" ممثلا في أوروبا. ففي هذا السياق، القائم على مبدأ "كل مسؤول عن نفسه" ليس هناك من تفكير استراتيجي على المدى الطويل. فالصينيون الذين يتباهون أكثر من باقي اللاعبين الاقتصاديين في العالم لا يبدو أنهم يطبقون مبادئهم على الوضع في الاتحاد الأوروبي. فالاعتبارات التكتيكية ذات المدى القصير هي التي تفرض نفسها في معظم الأحيان، سواء عندهم أو عند غيرهم، حتى وان تضاعفت الاستثمارات الصينية في أوروبا بثلاثة أضعاف خلال العام 2011. قد يبدو شراء ميناء بيرايوس في اليونان بسعر مناسب، أهمّ بكثير من الاستثمار على المدى الطويل من أجل إنقاذ اقتصاد البلاد.
ففيما وراء بعض الانتهازية التي تنتهجها هذه البلدان يصبح هذا النوع من التفكير على المدى القصير نتاجَ عدم ثقة مزدوجة تجاه أوروبا بالتأكيد، وإزاء نفسها. فهل تستحق أوروبا حقا إنقاذا، وهل نملك نحن البلدان الصاعدة الوسائل والثقة الضرورية للمساهمة في هذا الإنقاذ؟
على الرغم من التصريحات الطنانة، مثل تصريحات السنغافوري كيشور محبوباني الذي أعلن في مدينة فيينا قبل بضعة أشهر في المؤتمر العالمي للسياسة التي نظمه المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إفري) أن "الألفية القادمة هي ألفية آسيا"، فإن في داخل نخب البلدان الصاعدة شكا وجوديا كبيرا لن يزيده عنف الأزمة الأوروبية إلا قوة، ويتجلى هذا الشك في أساليب عديدة: من تراكم الثروات للوقاية من تقلبات المستقبل إلى اختيار التعليم في الخارج لأطفال النخب. 
المفارقة أن المريض الحامل للفيروس، أي أوروبا تحديدا، يمكن أن يكون، بفضل الحماية التي تتمتع بها مؤسساتها، ممثلة في الديمقراطية وسيادة القانون، أكثر مقاومة من الدول الصاعدة، التي تعتبر أكثر حيوية من الناحية الاقتصادية بالتأكيد، إلا أنها سياسيًا أكثر وهنًا وهشاشة.

 *مستشار خاص لدى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إفيري)
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Europe: la sourde crainte des émergents

اضافة اعلان