أوروبا تسرعت في رفع العقوبات عن بورما

مشردون بورميون بسبب أحداث العنف العرقي في البلاد - (أرشيفية)
مشردون بورميون بسبب أحداث العنف العرقي في البلاد - (أرشيفية)

ديفيد مينام - (الغارديان) 23/4/2013
 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
قبل أيام، هنأ وليام هيغ الحكومة البورمية على دورها الذي لعبته باعتبارها رأس الرمح في "التغييرات المشهودة" التي خبرتها البلاد. لكن تقييمه المتفائل وتفاؤله المتواصل يبدوان سابقين لأوانهما، تماماً مثل تسرع الاتحاد الأوروبي في رفع كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على بورما، باستثناء الحظر على الأسلحة.اضافة اعلان
بينما أفرج الرئيس البورمي ثينا شين عن سجناء سياسيين، وفتح فضاءً أكبر أمام حركة المعارضة السياسية، فإن انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة تستمر في العديد من المناطق داخل بورما. وفي الحقيقة، تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية أراكان بشكل درامي من حيث المدى والحدة طيلة العام الماضي. ولأنها أصبحت أسيرة إغراء الرواية الرومانسية عن التحول الديمقراطي السريع في بورما، أصبحت المجموعة الدولية تولي اهتماماً غير كافٍ لحقوق الإنسان والأزمة الإنسانية هناك. ويوثق بحث جديد أجرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" ونشرته مؤخراً جرائم ارتكبت ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً مستمراً ضد أقلية  الروهينجا (المسلمة) في ولاية أراكان. وليست هذه ادعاءات ينبغي التقليل من شأنها. وبالرغم من أن هناك ميلاً لوصف العنف في ولاية أراكان بأنه مجتمعي وانعكاس لكراهيات عميقة الجذور في داخل الأقليات وفيما بينها، تؤكد استنتاجاتنا وجود انخراط كبير وتخطيط للدولة في عمليات القتل وتدمير الممتلكات، بالإضافة إلى تشريد السكان.
كان العنف المميت الذي انفجر بين البوذيين الأراكان والمسلمين الروهينجا قد بدأ في حزيران (يونيو) من الماضي في شكل اشتباكات طائفية في أربع بلدات. وحتى تلك النقطة، فشلت قوات الأمن التابعة للدولة في التدخل لوقف العنف أو لحماية المدنيين، بل انها كانت مشاركة فيه مباشرة في بعض الحالات.
وبعيداً عن نزع فتيل الحالة المتوترة، كانت ملاحظات الرئيس ثين شين استفزازية للغاية. ففي يوم 12 تموز (يوليو) الماضي، وبعد شهر من اندلاع موجة العنف، دعا الرئيس إلى إرسال الروهينجا "غير الشرعيين" إلى "بلدان أخرى" نظراً لافتقار معظم الروهينجا إلى وضع قانوني رسمي، حتى أولئك الذين تستقر عائلاتهم في بورما منذ أجيال. وقد أوحت لغته بأن الغالبية الكبرى من الروهينجا في بورما لا ينتمون إلى البلاد. واستغل أولئك الذين يحبذون طرد الروهينجا من بورما تعليقاته بشغف.
لم يوقد شيء "شعلة" العنف الذي استؤنف في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي: وبدلاً من ذلك، تم تنظيم حملة منسقة من التطهير العرقي في تسع بلدات أخرى لطرد أو إعادة موضعة السكان المسلمين في البلد. وكانت هجمات تشرين الأول (نوفمبر) قد نظمت ونفذت من جانب مسؤولي حزب سياسي أراكاني ورهبان بوذيين وأركان عاديين مدعومين مباشرة من جانب قوات الأمن الحكومية في الغالب. وقد قتل رجال ونساء وأطفال من الروهينجا ودفن بعضهم في قبور جماعية، فيما تم تجريف قراهم وضواحيهم، وتورطت كل القوات الأمنية التابعة للدولة والعاملة في ولاية أراكان في الفشل في منع الاعتداءات، أو أنها شاركت فيها مباشرة، بما في ذلك الشرطة المحلية، وشرطة مكافحة الشغب (لون ثين وناساكا)، (وكالة قوة مراقبة الحدود الداخلية)، والجيش والبحرية. وفي حادثة كانت الأكثر دموية يوم 23 تشرين الأول (اكتوبر)، قتل 70 من الروهينجا على الأقل في مجزرة في قرية يان ثي في محافظة مرواك- يو، بعد أن جردت الشرطة وجرد معها الجيش الروهينجا من عصيهم وأسلحتهم البدائية الأخرى التي كانوا يحملونها للدفاع عن أنفسهم. وضم إجمالي الموتى 28 طفلا قطعوا حتى الموت، 13 منهم كانوا في عمر أقل من خمسة أعوام. وعندما قامت لجنة "هيومان رايتس دوتش" بزيارة الموقع ووثقت المواقع التي حدثت فيها عمليات القتل والمقابر الجماعية، وجدت حجم الممتلكات المدمرة والحريق الممتد إلى المناطق السكنية كبيراً جداً بحيث تمكن رؤيته في صور الأقمار الاصطناعية.
وفي الشهور التي أعقبت ذلك العنف، لم تفعل حكومة ثين شين سوى النزر اليسير، أو أنها لم تفعل أي شيء على الإطلاق للتحقيق في عمليات القتل وإساءات المعاملة، وتحميل المسؤولية للذين ارتكبوا هذه الجرائم. وما يزال من المنتظر أن ترفع "لجنة تحقيقات" مكونة من 27 شخصاً والتي شكلها الرئيس "لكشف الحقيقة وراء القلاقل" تقريرها وتوصياتها إلى الجمهور وتنشره على الملأ.
إلى جانب تواطئها في الجرائم ضد الإنسانية، تساهم الحكومة البورمية في الأزمة الإنسانية الشديدة التي تواجه الروهينجا والمجتمعات المسلمة الأخرى. وهناك أكثر من 125.000 شخص يعيشون راهنا في مخيمات للمشردين داخلياً، والذين تمس حاجتهم إلى المساعدة الإنسانية. ومع ذلك، أعاقت حكومة ثين شين باستمرار وصول المساعدات الإنسانية إليهم. وتعج المخيمات بالسكان وتفتقر إلى الطعام والمأوى والماء والمرافق الصحية والرعاية الطبية المناسبة. ومن دون تحسين دراماتيكي في ظروف المخيمات، بما في ذلك الوصول غير المتقطع للمنظمات الإنسانية الدولية، فإن الأوضاع ربما تذهب إلى مزيد من التدهور مع قدوم فصل الشتاء التالي.
ومع ذلك، تبدي المملكة المتحدة، وأطراف أخرى من المجموعة الدولية، الكثير من الشغف في الاطراء على الإنجازات الاصلاحية للرئيس البورمي، وتتسرع كثيراً في إيصال دعمها إليه.
في مواجهة الأدلة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والمقابر الجماعية ومنع وصول المساعدات الإنسانية لمجتمعات المشردين، ينبغي الضغط على الحكومة البورمية بشدة لحملها على التحقيق في هذه الممارسات ومحاسبة المسؤولين عن ارتكابها. كما يجب أن تواجه تلك الحكومة ضغطا دوليا منسقا لاعادة النظر في قانون المواطنة للعام 1982، الذي ينكر المواطنية البورمية فعلياً على فئة الروهينجا "البدون"، وهو إجراء لطالما اتخذته السلطات كتبرير لملاحقاتها وتشريدها لهؤلاء البورميين.
وليس مأزق الروهينجا هو الموضوع الوحيد الذي يواجه الحكومة الجديدة في بورما. لكنه ربما يكون الاختبار الأكثر تحديداً ووضوحاً لقياس التزام تلك الحكومة بالتغيير الديمقراطي وبحكم القانون، بالاضافة إلى كفاءة جهود المجموعة الدولية في تعزيز الاصلاح في بورما. وهو امتحان يفشلان كلاهما فيه.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Burma: the EU has been too quick to lift sanctions

[email protected]